زه ماټې په نړۍ کې

نوال سعداوي d. 1442 AH
141

زه ماټې په نړۍ کې

رحلاتي في العالم

ژانرونه

كانت واقفة مرتدية «الساري» الذي يزيد من قوامها الممشوق، وعلى وجهها ابتسامة تنسجم مع إشراقة الخصلة البيضاء فوق جبهتها المستقيمة الواضحة، أدركت لأول وهلة أن وجهها يعبر عن شخصية أقوى وأكثر تميزا من الوجه الذي رأيته لها في الصحف والمجلات والكتب، هي إذن من هذا النوع من الناس الذين تعجز آلة التصوير عن نقل شخصيتهم وروحهم الحقيقية للناس.

شعرت وأنا أصافحها براحة، تغلبت على الضيق الذي أحسه دائما وأنا داخل مكاتب أصحاب السلطة من أي نوع. لا بد أنني ابتسمت في هذه اللحظة واتخذ جسمي وضعا طبيعيا مريحا في المقعد المواجه لمقعدها.

وجها لوجه وعينا في عين زاد شعوري بأنني أمام امرأة قوية. كنت قد قرأت بعض الكتب عن طفولتها وحياتها وكفاحها قبل وبعد وفاة أبيها نهرو. شاركت مع زعماء الهند ومع جيلها من الرجال والنساء في الكفاح ضد الاستعمار، وحين أحبت رجلا من غير دينها ومن غير طبقتها (كان من الفارسيين الذين يعبدون النار ومن طبقة فقيرة) صممت على أن تتزوجه، رغم أن زواجها يجب أن يبنى على الحب والتفاهم، وكان هذا الفعل من جانبها ثورة في المجتمع الهندي الذي يقوم على التفرقة الشديدة بين الطبقات والأديان. في فترة ما من حياتها كادت أن تترك السياسة والكفاح العام وتتفرغ لحياتها كزوجة وأم، لكنها لم تستطع. إن الكفاح السياسي في دمها، رضعته وهي طفلة وشاركت فيه طوال صباها وشبابها. لم تكن حياتها سهلة، ولم يكن لامرأة بغير قوتها أن تنجح في قيادة المجتمع الهندي الكبير الذي لا زال في معظمه مجتمعا رجاليا يسود فيه الرجل داخل الأسرة وخارجها، ذلك المجتمع المترامي الأطراف، المليء بالمشاكل والثروات معا، والذي خرج من قبضة الاستعمار لكنه لا زال يعاني آثاره في الهند الآن حوالي 300 مليون شخص يعيشون دون الكفاف، وفي كل مكان نرى هؤلاء البشر الجالسين أو الراقدين على الأرض، أو الذين يعيشون داخل أكواخ من الصفيح أو القش أو الخيش، ملايين من الناس رجالا ونساء وأطفالا اتخذوا من الرصيف بيوتا، يأكلون وينامون ويستحمون ويموتون فوق الرصيف.

كانت أنديرا غاندي محاطة بالأوراق العديدة فوق مكتبها، عيناها مليئتان بحيوية غريبة، وابتسامة تكاد تكون مرحة، وربما نسيت في بعض اللحظات أنني أمام المرأة التي لقبها الغرب بأقوى امرأة في العالم، لكنني سرعان ما كنت أدرك أنها هي أنديرا غاندي بتلك النظرة العميقة في عينيها والانقباضة في عضلات فمها حين تتكلم ويتخذ وجهها الصرامة والجدية اللازمة لأصحاب السلطة.

وبدأت أنديرا غاندي تقول:

صداقة العرب والهند صداقة قديمة، وعلينا أن نقوي هذه الصداقة ونجددها دائما. وبالرغم من أن بعض زعمائنا - ومنهم المهاتما غاندي - قد عطفوا على اليهود بسبب اعتداء هتلر عليهم، إلا أننا لم نؤمن أبدا بالطريقة التي خلقت بها إسرائيل. إن مشكلة الشرق الأوسط (نسميها هنا منطقة غرب آسيا) لم تكن إلا مشكلة أوروبية حاولت أوروبا أن تحلها على حساب الشعب الفلسطيني ، نحن هنا في الهند نساند الشعوب العربية؛ لأنهم ظلموا وعانوا الاستعمار والاستغلال كما حدث لنا سنين طويلة. لقد عانينا في الهند من أزمة البترول مثل غيرنا من البلاد، لكننا نرى أن مشكلة الشرق الأوسط لا بد أن ينظر إليها نظرة عادلة شاملة. من حق جميع البلاد النامية أن تفعل ذلك. ونحن في الهند نحب السلام، وهدفنا دائما هو الصداقة وإزالة سوء التفاهم والقضاء على الكراهية، رغم كل شيء ساندنا الصين وأيدنا انضمامها إلى هيئة الأمم، وكان السوفييت أول من ساعدنا في إنشاء صناعة ثقيلة في الهند، ونحن نحاول أن نقضي على الفقر في بلادنا، لكن استمرار بقاء مشكلة الفقر لا يعني فشلنا في الهند كمجتمع، ولكنه يعني فشل نظام العالم الحديث في تحقيق العدالة. إن البلاد المتقدمة تحظى بكل خيرات العالم رغم قلة سكانهم. إنهم يستهلكون أكبر كميات من القمح والبروتين والفواكه والبترول وكل شيء، ولا يتركون لشعوب العالم الثالث إلا القليل رغم كثرة السكان، ولا ترجع مشكلة الفقر في بلادنا إلى كثرة السكان كما يقولون في الغرب، ولكنها ترجع إلى خطأ في النظام العالمي. وقد غضبوا مني في الغرب بسبب رأيي هذا، لكننا في الهند نعرف مشاكلنا ونعرف أسبابها الحقيقية، ونحن ندرك أن التصنيع والتنمية الشاملة وخروج النساء إلى العمل أهم العوامل التي تؤدي إلى إنجاح برامج تنظيم الأسرة. وقد تقدمت الهند في هذه المجالات وانخفض معدل المواليد عن ذي قبل.

والمرأة الهندية تعمل في كل مكان، وأنا لم أصادف في عملي كرئيسة للوزراء مشكلة واحدة بسبب كوني امرأة، ولكني بالطبع واجهت في حياتي العديد من الصراعات التي استطعت التغلب عليها. إن الإنسان لا يقوى إلا من خلال انتصاره على الآلام والصراعات التي تواجهه في حياته، والنساء في الهند تشارك في جميع المجالات، عندنا ولايتان ترأس الوزراء في كل منهما امرأة، وفي كل ولاية في الهند تشترك في الحكومة وزيرة امرأة على الأقل، وعندنا عديد من عضوات البرلمان وممثلات الأحزاب المختلفة، عندنا قاضيات في مختلف الولايات، وفي القرى هناك نساء منتخبات في المجالس القروية، ونسبة الجامعيات والمتعلمات والعاملات في كل المجالات أعلى من البلاد المتقدمة، ولنا في الهند تاريخ فلسفي عميق يساوي بين الرجال والنساء، ثم إن زعماءنا السابقين من أمثال ماهاتما غاندي وأبي نهرو وغيرهم كانوا يدعون دائما إلى مساواة المرأة والرجل، وخروج المرأة إلى الحياة السياسية والإنتاج. وقد شاركت النساء في الكفاح قبل الاستقلال ودخلن السجون مع الرجال. أثبتت النساء أنهن قادرات على العمل والتضحية؛ ولهذا كان من الطبيعي بعد الاستقلال أن تستمر النساء في عملهن السياسي وفي الإنتاج. كان والدي نهرو متمردا مؤمنا بأن المرأة كالرجل؛ لذلك لم أشعر في أي يوم بأي تفرقة أو اضطهاد لأني امرأة، وأخذت كل فرصتي في التعليم والعمل السياسي، لكن أمي حرمت من هذا وكانت آسفة على ذلك دائما، لست أوافق على الرأي القائل بأن الأم يجب أن تتفرغ لبيتها وأطفالها، المرأة تستطيع أن تكون أما وعاملة في الوقت نفسه. إن رعاية الطفل وإعطاءه الحب لا يعني أن تتواجد المرأة في البيت طول النهار، ما هو مهم في تربية الطفل ليس هو كمية الحب ولكن نوع هذا الحب، هناك نساء متفرغات في البيوت ولا يعطين حبا لأطفالهن، وهناك نساء عاملات يعطين الحب الحقيقي لأطفالهن في الفترة القصيرة التي يعدن فيها إلى البيت، وهن أيضا قادرات على منح أطفالهن الاستقلال الذي يساعدهم على النضوج واستقلال التفكير عن الآخرين؛ لذلك أنا لا أوافق على الطريقة المتخلفة التي تظهر بها المرأة الهندية في أفلامنا؛ فالمرأة الهندية في الحياة الحقيقية أكثر احتراما وأكثر إيجابية وكفاحا وتقدما منها في الأفلام الهندية، لكن السينما حرة في الهند والحكومة لا تتدخل في شئونها، نشجع الآن مجموعات من الشباب لعمل أفلام جديدة متقدمة، ولكن الدور الأساسي لتطوير الفيلم الهندي يجب أن تلعبه الجمعيات النسائية والتنظيمات الشعبية. إن واجب هؤلاء هو تنوير الرأي العام وجعل المساواة بين الجنسين حقيقة في الحياة اليومية للناس لتنعكس في الأفلام، ويعبر الفن الهندي تعبيرا حقيقيا عن حياة الرجال والنساء في الهند . إن جميع القوانين تساوي المرأة بالرجل، ولكن تطبيق ذلك في الحياة والفن يقع على عاتق التنظيمات النسائية والنساء أنفسهن. لقد زرت في الفترة الأخيرة هذه الجمعيات ووجدت أنها تقوم بنشاط كبير فعلا، ولكن وجدت ازدواجا في بعض الأنشطة، وأن كل جمعية منعزلة عن الأخرى وليس هناك تنسيق بين الجمعيات المختلفة. كما أن معظم الأنشطة مركزة في المدن والطبقة المتوسطة، ولا تتوغل بالقدر الكافي في الريف وبين الطبقات الفقيرة. إن جهودي موجهة لتقوية الإنسان الهندي والقضاء على التفرقة بين الطبقات وحماية الإنسان الهندي من أن يتحول إلى ترس في آلة. إن تحويل الإنسان إلى ترس في آلة مشكلة في البلاد الصناعية المتقدمة. لكنها ليست مشكلة الآن في الهند، وأحاول أن أبذل جهودا وقائية لحماية الإنسان الهندي، خاصة وأننا نسير بخطوات سريعة نحو التقدم الصناعي. نحن نهيئ الظروف للتلميذ والتلميذة والعامل والعاملة للقراءة خارج المنهج المقرر وخارج العمل وخارج المصنع، بحيث تنمو قدرات الشخص الفكرية ومواهبه الخاصة. بمعنى آخر: لا يحبس عقل العامل داخل المصنع، ولا يحبس عقل التلميذ أو التلميذة داخل المدرسة، ولا بد من الاطلاع على الثقافات الأخرى. إن الهند ومصر لهما تاريخ عريق ولهما ثقافة متقاربة. ولكنا لا نعرف عن الأدب العربي إلا القليل، وكذلك لا يعرف العرب عن الأدب الهندي إلا القليل، والسبب في ذلك هو مشكلة الترجمة. إن الأدب الهندي مترجم إلى اللغة الإنجليزية بكميات هائلة، ولكنه لا يترجم إلى العربية إلا نادرا، والحال نفسه أيضا بالنسبة للأدب العربي، فلماذا يحدث ذلك رغم أن الإنجليز قد خرجوا من مصر ومن الهند، ورغم أن اللغة الهندية - وبالذات اللغة الأردية - حتوي 10٪ منها على كلمات عربية؟ نحن في حاجة إلى جهود كثيرة في مجال الترجمة. لا بد أن يقرأ الإنسان العربي دون أن تكون اللغة الإنجليزية هي الوسيط بينهما، إني أثق في المستقبل وأعتقد أن صلتنا بالعرب وبمصر سوف تزيد على الدوام.

وانتهى كلام أنديرا غاندي. وخرجت من مكتبها متفائلة قرب الظهر. وفي المساء لبيت دعوة عشاء مع كاتب هندي عجوز، تربطه بأنديرا غاندي صلة قرابة، لكنه من المعارضين لسياستها. لم يعترف بأي صفة حسنة لأنديرا وقال: كله كلام في كلام، وماذا يمكن أن ننتظر منها؟ والأرملة في تاريخنا شؤم وخراب.

وفرغت صحونه من الطعام، وامتلأ صدري بالتشاؤم، وخرجت لكن وجهه ظل أمامي مليئا بالتجاعيد، وصوته يذكرني بصوت جدتي.

كنت طفلة في السادسة، وهي تحكي كل ليلة قبل أن أنام حكاية الغولة، تهز رأسها الملفوف بالمنديل الأسود وتردد كأنها تغني وعيناها نصف مغمضتين: هائلة مخيفة.

ناپیژندل شوی مخ