زوجتك المخلصة
لم أكن أطلب في رحلاتي لقاء أصحاب أو صاحبات السلطة؛ بيني وبين الآلهة فوق الأرض عداء، أما الآلهة من ذوي الأجنحة أو من ذوي الأذرع المتعددة فقد كان من السهل أن ألتقي بهم في معابد الهند، حيث يلتقي كل الفقراء والمنبوذين والمنبوذات.
كنت أندهش: كيف يمكن للآلهة الحقيقيين أمثال شيفا أن يكونوا أكثر تواضعا من الآلهة المزيفين فوق الأرض؟
روبية واحدة أو كسرة خبز تكفي لأن ألتقي بالإله الجبار شيفا، أو إله الموت والدمار. وهو - رغم ألوهيته وجبروته - لا يعبأ بأن أرتدي له زي التشريفات، وليس له مدير مكتب ولا سكرتير خاص ولا حاجب ولا أحد يمكن أن يعترض طريقي إليه.
لكن هؤلاء الآلهة الآخرين الذي يمشون فوق الأرض على قدمين وليس لأي منهم أجنحة أو أربعة أذرع، وإنما مجرد ذراعين مثلي تماما، هؤلاء الآلهة لم أكن أفكر في اللقاء بهم، بل إنني كنت أسعى إلى الابتعاد عنهم، حتى صورهم في الصحف اليومية الصباحية لم أكن أنظر إليها؛ لسبب واحد بسيط: هو رغبتي الصادقة في استقبال اليوم الجديد بنفس منشرحة متفائلة.
تعودت خلال السنين الأخيرة ألا أقرأ الصحف أول النهار. أخبئها تحت المكتب حتى آخر الليل ثم أنساها وأنام، لكني في صباح اليوم التالي أراها تحت عيني تطل علي من تحت عقب الباب.
ذلك الصباح استيقظت مبكرا وبحكم العادة اتجهت عيني نحو الباب وهبطتا حتى العقب، ولدهشتي لم أجد الصحف، رأيت الأرض لامعة نظيفة لا يعلوها شيء، نهضت من الفراش بحركة سريعة نشطة أشبه بالسعادة المفاجئة، واكتشفت في لحظة خاطفة كضوء الكشاف، لماذا أصبحت أحب السفر: كنت أريد أن أفتح عيني في الصباح فلا أرى الصحف.
والصباح في نيودلهي كان مشرقا، وقد أحببت شمس الهند في الشتاء؛ فهي شمس قوية أقوى من أي ريح باردة، لكنها ليست قوة غاشمة مستبدة وإنما قوة الكواكب العظيمة الواثقة في نفسها، قوة الآلهة الحقيقيين من ذوي الأذرع المتعددة والقلوب الرحيمة المتواضعة تحتضن الكل بالتساوي، لا فرق بين منبوذ أو مهراجا.
أغرقتني شمس الصباح وأنا جالسة في الشرفة أطل على القباب المغولية وأنصت إلى زقزقة العصافير وسمعته يقول: لقد زرت الهند عدة مرات وعشت فيها شهورا، وتجولت فيها شمالا وجنوبا، ولا يمكن لك أن تتركي الهند دون أن تقابلي أنديرا غاندي! •••
لم يمض على ذلك الصباح بضعة أيام ووجدت نفسي داخل السيارة الصغيرة التي اجتازت البوابة الحمراء الكبيرة التي تقود إلى «راشترابا هي بافان» وهو مقر الحكومة في العاصمة دلهي، لم أر إلا حارسا واحدا على الباب الخارجي، ولم أجد إلا سكرتيرا واحدا صافحني بابتسامة الهندي المتواضعة، ثم إذا بي في مكتب رئيسة الوزراء: أنديرا غاندي.
ناپیژندل شوی مخ