الساعات التي عرفتها قلقا وإزعاجا. على أنها مرت على كل حال مثل غيرها من الساعات المزعجة الأخرى ، كان من بواعث الارتياح لنا أن نسمع دليلينا في النهاية يعلنان بأننا قد تجاوزنا المنطقة الخطرة وصار بوسعنا متابعة السير بأمان. وقد تبين أن ذلك كان من بواعث الارتياح لهما كذلك ، لأن تشوقهما للمسير كان لا يقل عن إحجامهما عن التقدم بادىء ذي بدء.
ما أعظم السهول الواسعة من الأراضي الغنية القابلة للزراعة التي اجتزناها هذا اليوم ولا حظنا وجودها وامتدادها من جميع الجهات الأراضي التي كانت كلها تنبت زرعا يانعا فأصبحت يبابا بلقعا بالكلية! وما أكثر مجاري المياه والقنوات التي شاهدناها إنها آثار الري القديم في هذه البلاد وما أعظم القابلية على الازدهار الزراعي وتكاتف النفوس ، المهملة إهمالا كليا! لقد كان كل ذلك في الحقيقة منظرا محزنا ، وكان مما يفرج عن العين المتعبة من النظر إلى مناظر المدنية الراحلة والثروة المندثرة أن نلتفت إلى الموطن المريح للسكان الحاليين في المكان الذي سنقضي فيه هذه الليلة. فدخلنا هبهب ، إحدى القرى التي تتكدس بيوتها بمجموعتها على ضفاف دجلة ، قبل أن تميل الشمس إلى المغيب بساعة واحدة تقريبا. وبعد أن قدمنا بعض الإيضاحات استقبلنا بأدب ولطف نائب الضابط إسماعيل أغا ، وهو سيد من السادة ، فزودنا بجميع ما كنا نريده تزويدا وافرا. وتقع القرية نفسها ما بين بساتين ممتدة من النخيل وكان كل بيت يوجد في ساحته عدد منها. فذكرتني المناظر هنا ببعض أنحاء بومبي.
وفي أثناء ركوبنا هذا اليوم اصطدنا عددا كبيرا من الطيور ولا سيما من الدراج الأسود والرمادي. كما لا حظنا من بعيد كثيرا من الغزلان ، لكن الأسراب الكبيرة من الدراج البري التي مرت بنا كانت من أعظم ما رأيت من هذا القبيل إثارة للدهشة والعجب. فكانت هذه الأسراب تأتي كالغمام ، على شاكلة الجراد ، وكان أحدهما على الأخص ، وهو الذي استغرق عدة دقائق في مروره ، يكون قوسا من فوقنا يمتد جانباه من الطرفين على مد النظر ربما كان هذا السرب وحده يحتوي على آلاف مؤلفة من الطيور. وهناك نوعان من هذا
مخ ۷۰