وقال ابن خلكان (1): وكان للحجاج في القتل وسفك الدماء والعقوبات غرائب لم يسمع بمثلها.
ويقال : إن زياد بن أبيه أو ابن سمية أو ابن أبي سفيان أراد أن يتشبه بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضياللهعنه في ضبط الأمور ، والحزم والصرامة ، وإقامة السياسات ، إلا أنه أسرف وتجاوز الحد ، وأراد الحجاج أن يتشبه بزياد فأهلك ودمر.
وكان الحجاج يخبر عن نفسه أن أكبر لذاته سفك الدماء ، وارتكاب أمور لا يقدم عليها غيره ، ومن كان كذلك فكيف يوليه الخلفاء الولايات الكبرى ، ويطلقون فيها يده!!.
نعم إن الضبط والربط والحزامة من الأمور التي تصلح للولاة ، بل من الأمور التي لا يصلح الولاة إلا بها ، لكن على شرط أن لا يخرج ذلك بالولاة إلى الإسراف والإعتداء ، وتجاوز حدود الله ،
** فإن العدل هو الحد الوحيد الذي لا يجوز التأخر عنه ، ولا
التقدم عليه ، ومن تجاوز حد العدل فقد أفرط ، ومن تأخر عنه فقد فرط ، وما يسع الجميع إلا العدل.
** ومن أشد الأمور ضررا أن يتعمد الوالي أو القائد إتيان الأمور
التي تجعل له هيبة في قلوب الناس بزعمه ، أو أن يتلذذ بسمعة البطش وإرهاف الحد ، كما كان يفعل جمال باشا التركي قائد الجيش العثماني في سورية أيام الحرب الكبرى ، فقد كان يتعمد البطش وإظهار الاستخفاف بدماء البشر ، آملا بأن ينال المهابة في الصدور ، وأن تسير عنه الأخبار ، فأضر عمله بدولته وأمته ، وزاد في شقاق الترك مع العرب ، وما نفعت سياسته إلا الإفرنج الطامحين إلى البلاد ، وما نفعت إلا الرائدين لهم ، الساعين بين أيديهم من أبناء البلاد
مخ ۲۳۷