مدينة البحر يملكها الشرقي بلا محال ، ولم يشك أحد من سمع ذلك أن الشرقي هو سلطان المشرق وأنه سلطان الترك نصره الله قال لي القسيس : بأي مدينة تسمى بالعربية مدينة البحر؟ قلت : لا أدري ، لكن يظهر لي أنها البندقية لأنها في البحر مبنية فأعطاني كتاب الجغرافية بالعربية وهو من الكتب التي تعمل النصارى بالقالب المسمى بنزهة المشتاق في اختراع الآفاق ، وقال : انظر هل تجد هذا الاسم فيه ، فقرأته كله فلم أجده ، وبينما كنت أطالع إذ جاء بعض المسافرين من بلادي إلى مدينة غرناطة وعلمت في أي موضع من الفنادق كانوا ، فمشيت إليهم والكتاب عندي ، وبعد السلام والكلام فتحت الكتاب فلما رأوه مكتوبا بالعربية دخلهم الخوف العظيم من النصارى وقلت لهم : لا تخافوا لأن النصارى يكرمونني ويعظموني على القراءة بالعربية. وكان أهل بلدي جميعا يظنون أن الحراقين من النصارى الذين كانوا يحكمون ويحرقون كل من عليه شيء من الإسلام أو يقرأ كتب المسلمين يحكمون ومن أجل ذلك الخوف العظيم كان الأندلس يخاف بعضهم من بعض ولا يتكلمون في أمور الدين إلا مع من كان ذمة ، معناه : ذوءامنة. وكثير منهم كانوا يخافون بعضهم من بعض وكان فيهم من يحب يتعلم شيئا من دين الله ولا يجدون من يعلمهم. ولما كنت عازما على الانتقال من تلك البلاد إلى بلاد المسلمين كنت أعلم جميع من أراد يتعلم من الأندلس في بلدي وغيرها من البلاد التي دخلتها. ولما رأى الأندلس الحالة التي كنت عليها كانوا يقولون فيما بينهم لابد لهذا من الوقوع في أيدي الحراقين. وبلغ الحال بي حتى إذا وقفت مع جماعة للكلام نرى كل واحد منهم ينسل حتى أبقى وحدي منفردا ، ومن أجل ذلك قصدتهم وفتحت الكتاب إليهم لنريهم ما أنعم الله تعالى علي به ، إذ بدل لي الخوف بأمن ، والعقوبة والإهانة والذل بعزة وكرامة :
ومن تكن برسول الله نصرته
إن تلقاه الأسد في آجامها تجم (50)
وأما ما ذكر في الرق أن علامة النحس الذي ينزل على النصارى يكون إذا أخذ
مخ ۳۴