* ديباجة المؤلف
بسم الله الرحمان الرحيم وبه نستعين ، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وءاله وصحبه وسلم تسليما.
الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد عبده ورسوله ورضي الله تعالى عنءاله وأصحابه وعن التابعين له في دينه.
وبعد ، فيقول العبد الفقير إلى الله تعالى الراجي عفوه وغفرانه ورحمته ، بشفاعة نبيه المذكور في كتبه ، وأفضلها كلامه العزيز في قرءانه : أحمد بن قاسم بن أحمد ابن الفقيه قاسم بن الشيخ الحجري الأندلسي : من نعم الله تعالى أن جعلني مسلما في بلاد الكفار منذ أعرف نفسي ، ببركة الوالدين رحمهما الله تعالى ... (11) إرشادهما ، وقد جعل الله في قلبي محبة للخروج [من بلا] (12) د الأندلس مهاجرا إلى الله تعالى ورسوله ، والقدوم [ل] (13) بلاد المسلمين ، وقضى الله تعالى الغرض والمراد ، وبلغنا إلى
مخ ۱۹
مدينة مراكش بالمغرب. وبعد ذلك باثنتي عشرة سنة فرج الله تعالى على الأندلس المسلمين الذين كانوا فيها تحت قهر النصا [رى وظله] هم فأمر (14) عليهم سلطان البلاد المسمى بفلب الثالث من اسمه بالخروج جميعا من بلاده. واتفق لكثير من المسلمين الأندلس عند خروجهم أن نهبهم في البحر النصارى وأكثرهم الفرنج البحرية الذين اكتروهم ودفعوا لهم أجرتهم على أن يبلغوهم في عافية وأمان إلى بلاد المسلمين ، وخانوهم كل واحد من الرياس في سفينته. وبعد أخذ كل ما كان لهم أخرجوهم في بعض الجزر من بلاد المسلمين ، وأربع من تلك السفن المنهوبة خرجت بالمغرب الأقصى ، فأحسن المسلمون البربر بالأندلس ، وجاءوا إلى مدينة مراكش ، وهي دار سلاطين المغرب ، وطلبوا من السلطان مولاي زيدان ابن السلطان مولاي أحمد ابن السلطان مولاي محمد الشيخ الشريف الحسني أن يأذن لهم في إرسال بعض من أصحابهم مع رجل [من] (15) الأندلس الذين كانوا قبلهم بتلك المدينة ، واتفق نظرهم أن نمشي بأصحابهم ، وأعطانا للسلطان كتابه وذهبنا إلى أسف : هي مدينة على البحر المحيط ، وفيها ركبنا وبلغنا إلى بلاد الفرنج ، ووقع لي كثير مع علمائهم من القسيسين والرهبان والقضاة في شأن الأديان ، واحتجت أقرا الإنجيل الذي بأيديهم الآن ، ومنه ومن غيره من كتبهم وجدت ما نرد عليهم ، ونبطل حججهم ، ونصرني الله عليهم مرارا عديدة. وذكرت بعد ذلك حين وليت إلى مراكش شيئا من الحكايات والمناظرات والأجوبة مني إليهم لبعض الإخوان. وطلب مني غير واحد من علماء المسلمين أن أعمل تأليفا بذلك ، ولم يتفق العمل ، إلى أن أمرني شيخنا وبركتنا بمصر المحروسة بالله وهو العلامة الشهير علمه وثناؤه في الأقطار والبلدان : الشيخ علي بن محمد المدعو زين ابن العلامة الشيخ عبد الرحمن بن الأجهوري المالكي ... (16) بأكثر مما طلبوا ، وجعلت التأليف رحلة سميتها برحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب ،
مخ ۲۰
وذكرت فيها أولا بلاد الأندلس في أي موضع هي من معمور الدنيا والأقطار المجاورة إليها ، والعرض والطول في صقعها وعرض ارتفاع القطب الشمالي عليها ، ودرج طولها من الدنيا الذي هو ابتداؤه من الجزر الخالدات المسماة الآن بقنارية. ثم ذكرت من سكنها من الأجناس القديمة قبل دخول المسلمين إليها وفي أي سنة كان افتتاحها ، وما اتفق في أخذها. ثم ذكرت بعض الملوك الصالحين المجاهدين ، وأيضا بعض رسائل لسان الدين بن الخطيب. ثم ذكرت الزمن الذي كانت بأيدي المسلمين إلى أن احتوت النصارى على جميعها. ثم ذكرت كيف كان حال المسلمين بين النصارى بعد أن أدخلوهم جميعا كرها منهم في دينهم ، وكانوا يعبدون دينين : دين النصارى جهرا ، ودين المسلمين في خفاء من الناس. وإذا ظهر على أحد شيء من عمل المسلمين يحكمون فيهم الكفار الحكم القوي : يحرقون بعضهم ، كما شاهدت حالهم أكثر من عشرين سنة قبل خروجي منها. وأيضا ذكرت ما اتفق لي بمدينة غرناطة مع القسيس الكبير (17) في قراءة الرق المكتوب بالعربية والعجمية ، وفيها ذكر يوحنا الذي كتب ربع الإنجيل فيما يكون ويحدث في الدنيا إلى أن تفنى ، وأيضا شيئا مما كان مكتوبا في الكتب التي وجدت تحت الأرض في تاريخ ألف وثلاث سنين من الهجرة أو قريبا منها مكتوبة في ورق الانك (18) بالعربية من عهد سيدنا عيسى عليه السلام أو قريبا منه. وما اتفق لنا في الخروج من بين النصارى ، وكيف لطف الله بنا وفكنا منهم سالمين بفضله. وذكرنا أيضا الأسباب التي قال سلطان النصارى أنها حملته على إخراج المسلمين من بلاده ، وأيضا ما رأيت في أسفاري ، ورحلتي المشرقية والمغربية والجوفية من ... (19)، وما وقع من الكلام والمناظرات مع النصارى ... (20) والقسيسين والرهبان وأكابرهم في أمور [الدين ب] بلادهم الفرنجة
مخ ۲۱
وبلاد فلنضس (21)، وأيضا مع اليهود [و] (22) قرأت الرحلة المذكورة على الشيخ الفاضل المذكور [الذي أم] رني (23) بمصر بعمل الكتاب. ولما رآني عازما على الرجوع [لبلا] د (24) المغرب التي جئنا منها لأداء الفرض ، وزيارة [قبر أف] ضل من ظهر على وجه الأرض ، والوقت ضايق ، كتبنا له منها نسخة ، كما كان في غرضي. أمرني أن أختصر منها نبذة لطيفة ، ونذكر ما وقع لي من الكلام في الدين مع النصارى.
وها أنا أشرع بعون الله أكتب في هذه الورقات ما وقع لي من المناظرات وكل مسألة ألهمني الله تعالى بالجواب عليها في الحين على البديهة. وأذكر نصوصها من الكتب ببرهانها. وإن كان لي وقت قبل الرحيل من مصر نكتب من الرحلة أيضا ما وقع لي مع علماء اليهود بالبلاد المذكورة وبسببهم قرأت التوارية التي هي أربع وعشرون كتابا : الخمسة الأوائل في أمور دينهم ، والباقي من الكتب في التواريخ ، وجدتها مترجمة من العبراني إلى العجمي الذي نعرفه ، وزادني الله تعالى يقينا ومحبة في دين الإسلام ، وذلك مما أنعم الله تعالى به علي ، نسأله سبحانه بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يلطف بي في الدارين وأن يختم لي بالعبادة ، ولمن يقرأ في هذا الكتاب أو يسمعه ، وأن يخص من فضله من أمرني بكتبه بما يشاء من فضله من خيره وإحسانه ، وأن ينصر جميع المسلمين على القوم الكافرين. وقد سميت الكتاب بناصر الدين على القوم الكافرين ، وهو السيف الأشهر ، على كل من كفر ، وجعلته ثلاثة عشر بابا :
** الباب الأول :
الصومعة القديمة ، وشيء من الكتب التي وجدت في خندق الجنة بقرب مدينة غرناطة مكتوبة بالعربية في ورق من رصاص من الزمن القريب بعد سيدنا عيسى عليه السلام .
مخ ۲۲
** الباب الثاني :
سالمين منهم بعد أن كنا في أيديهم متعرضين للهلاك بلطف من الله تعالى.
** الباب الثالث :
أن جئت ببلاد المسلمين باثنتي عشرة سنة.
** الباب الرابع :
عندهم بهبرد غرسي (25)، ثم إلى مدينة روان (26) وما اتفق لنا فيها.
** الباب الخامس :
وما اتفق لي مع بعض النصارى من المناظرات.
** الباب السادس :
(28)، وذكر ما زاد كل واحد من البابا في دين النصارى ، وذكر الباب جوان الذي كان امرأة ففضحه الله بحضرة الناس (29).
** الباب السابع :
** الباب الثامن :
** الباب التاسع :
القسيسين والرهبان والقضاة ، وقضاء شيء من الغرض الذي مشيت بسببه.
أما المرأة المقصودة فهي Alias Jilberta .
وانظر تفاصيل عن هذه النقطة عند : L. Cardaillac, Morisques et Chretiens , pp. 981 391.
مخ ۲۳
** الباب العاشر :
** الباب الحادي عشر :
** الباب الثاني عشر :
** الباب الثالث عشر :
مخ ۲۴
* مسار الرحلة
** *
1599 م.
** *
** *
رجوعه بمصر وتونس :
** *
** *
الكتاب.
** محطات الرحلة بالتتابع :
غرناطة.
إشبيلية.
شنت مريا ، شنتمرية ، ( Santa Maria ).
البريجة ، (مدينة الجديدة الآن).
مخ ۲۵
أزمور.
مراكش.
آسفي.
مرسى هبردي غرسي ، مرسى البركة.
استغرقت الرحلة البحرية بين الميناءين ، آسفي. ومرسى هبردي غرسي ، مرسى البركة ثلاثين يوما
بريش (باريس).
برضيوش (بوردو).
بريش (باريس).
شاندينشي ، ( Saint Denis )
أولونه.
برضيوش (بوردو).
طلوشة ، ( Toulouse ).
برضيوش (بوردو).
بريش (باريس).
روان.
مرسى هبردي غرسي ، مرسى البركة.
فلنضس.
وضمنها :
أمستردام.
ليدا. (Leyde).
الهاية ، لاهاي.
مخ ۲۶
* نص الرحلة
* الباب الأول
* في ذكر ما وقع لي بمدينة غرناطة مع القسيس الكبير
* في شأن قراءة الرق الذي وجد في الصومعة ،
* وأيضا بعض ما صح عندي من الكتب
* المكتوبة بالعربية في ورق الرصاص
وهذا الباب هو في الرحلة في الباب الثاني عشر منها.
اعلم رحمك الله أن في عام ست تسعين وتسع مائة (31) من الهجرة ومن حساب النصارى عام ثمان وثمانين وخمس مائة وألف أمر القسيس الكبير (32) بمدينة غرناطة بهدم صومعة قديمة كانت في الجامع الكبير ،
انظر : D. Cabanelas ,Ll morisco granadino ,p.771 .
وعند وفاته (سنة 1588) سيخلفه الأسقف Don Pedro Castro نوفمبر 1589) لمتابعة القضية.
مخ ۲۷
وكانت تسمى من قديم الزمان تربأنه (33) قبل الإسلام ، وذلك بعد أن بنوا صومعة قريبا منها ، عالية جدا. ولما أن هدموا القديمة وجدوا في حيطها صندوقا من حجر وفي داخله صندوقا من رصاص ، وفيه وجدوا رقا كبيرا مكتوبا بالعربية والعجمية المتصرفة في بلاد الأندلس ، ونصف خمار الصالحة مريم عليها السلام أم سيدنا عيسى عليه السلام ، وعظما من جسد أشطبان (34) الصالح عندهم. فأما ما كان في الرق بالأعجمية فقرئ وما كان بالعربية فنادوا الأكيحل الأندلسي ، كان ترجمانا بالإجازة ، والشيخ الصالح الجبس ، وغيرهما من الأندلس الكبار السن الذين يعرفون القراءة العربية ، وأمرهم القسيس بترجمة ما في الرق من العربي كل واحد وحده ، وتارة يجمع بينهم ، ولم يحيطوا بفهمه حقيقة والقسيس الكبير تعلم يقرأ بالعربية ، وبعد أن وجدوا الرق بسبع سنين جاء رجل من مدينة جيان ببعض كتب بعثها له بعض الأسارى من بلاد المغرب فيها ذكر كنوز في بعض المواضع ، فكان ذلك الرجل بقرب غرناطة على بعد ميل منها أو نحو ذلك ، وكان الموضع يسمى بخندق الجنة ، فحرك حجرا ووجد تحته غارا وفي ركن الغار رمادا ورصاصا مكتوبا باللطين يقول فيه : هذا الموضع أخرق فيه القسيس سسليوه (35). وهذا سسليوه كان الذي كتب الرق ، وذلك أن النصارى كان عندهم في كتبهم خبر بموت سسليوه وأنه كان من تلميذ سيدنا عيسى عليه السلام وأنه قتل على دينه ، وأنه من الشهداء عندهم ، ولا علموا بموضعه. ومن عادتهم أن كل من يقتل على دينه من القسيسين يثبتون اسمه مع الصالحين ، ويذكرون موضعه الذي قتل فيه لتزوره الناس. فأمر القسيس الكبير بالدخول في الغار وينظرون فيه ويفتشون لعلهم يجدون كتبه المذكورة في رومة في دار دينهم ، وموضع الباب الذي هو كبير القسيسين والرهبان وإمام جميعهم. والخبر في
انظر :
Clecia Sarenelli Cerqua, Al Hagari in Andalusia in Studi Maghrebini III, Napoli , :. 26 ، ، 3 ، 1968
مخ ۲۸
ذلك أنه عندهم في كتبهم أن سسليوه القسيس الكبير ... (36) الأسكفة كان عنده أسرار وأمور ربانية من زمن سيدنا عيسى عليه السلام أو قريبا منه ، وأنه أودعها مكتوبة في جبل يسمى بابلطان (37)، وبحث واحد من الباب عن هذا الجبل وقيل له أنه بإيطاليا فأمر أن يحفر كله ويغربل ترابه في طلب الكتب ولم يجدوا شيئا. سمعت هذا الكلام بمدينة غرناطة من بعض الناس ولا تحققت حتى سألت عن ذلك القسيس بعد أن عرفته ، وذكر لي الحكاية كما سمعتها من غيره. ولما فتشوا في الغار وجدوا بعض الحجار معقودة فكسروها ووجدوا في قلب كل حجر كتابا وورقة رصاصا (كذا) وكل ورقة قدر كف اليد أو أقل قليلا ، وهي مكتوبة بالعربية فأمر القسيس الأندلس المذكورين ، وهم : الاكيحل ، والفقيه الجبس رحمهما الله وغيرهما ، بترجمة الكتب فوجد في أحدها ذكر الرق الذي كان بأيديهم قبل ذلك العهد بنحو السبع سنين فاشتد حرصهم على فهم ما في الرق. وواحد من القسيسين المقربين للقسيس الكبير كان يتعلم يقرأ العربية ، وبسبب ذلك كان يلزم الحكيم محمد ابن أبي العاصي حفيد الشيخ الصالح الجبس المذكور أنه يترجم [الكتب] (38) ومن أجل جده كان يقرأ بحضرة النصارى بالعربية. والكتاب الذي كان يقرأ للقسيس يسمى بنزهة المشتاق في اختراع الآفاق (39)، وكنت أحضر معهما ، ولم نظهر للنصراني أنني نقرأ بالعربية لما كانوا يحكمون فيمن ظهر عليه ذلك ، وبينما كان يقرأ في الكتاب كانا يتوقفان في بعض الكلمات وفهم معناها ، فكنت أقول لهما لعله كذا فيجداه كذلك ، ونظرني القسيس وقال : أنت تعرف تقرأ بالعربية ، فلا تخف ، لأن القسيس الأعظم يطلب على من يعرف شيئا من القراءة العربية لعله يبين شيئا مما ظهر مكتوبا بذلك اللسان وحملني إلى داره ، وكان عنده كتب في كل فان ولسان ، وأخرج لي كتابا
مخ ۲۹
بالعربية فقرأتها وترجمت له بعض الكلمات التي كان يتوقف فيها ، ثم لقاني يوما آخر وقال لي : القسيس الكبير أمر أن تمشي معي إلى حضرته ، قلت في نفسي : كيف الخلاص والنصارى تقتل وتحرق كل من يجدون عنده كتابا عربيا ويعرفون أنه يقرأ بالعربية. وأما ما ذكر من المترجمين الأندلس فكانوا شيوخا ، ويستعذرون بأنهم تعلموا القراءة العربية في صغرهم بقرب عهد الإسلام وأما الحكيم أبو العاصي كان يقرأ لأجل جده لأنه مترجم كما قلنا ، وماذا أقول أنا إذا سألني عن من علمني؟ وفي الطريق كان يقول لي القسيس : قل للسيد العظيم : إن المترجمين ما عرفوا شيئا. قلت في نفسي : عكس هذا أقول ، لأن أصحاب الدعاوى يفتضحون. ولما أن دخلنا إلى حضرته فأقبل علينا وقال لي : ذكر لي القسيس منضنض (40) أنك تحسن القراءة العربية فقلت : ليس أنا من البالغين فيها. قال : أين تعلمت؟ قلت : أعلم أيها السيد أنني أندلسي من الحجر الأحمر ، وكلامنا فيه فهو بالعربية ، ثم تعلمت نقرا بالعجمية ، ثم مشيت إلى مذريل (41) بلد السلطان فوجدت فيها رجلا طبيبا أندلسيا من بلاد بلنسيه اسمه فلان وعلمني نقرا بالعربية ، وجاني سهلا لكوني عربيا في الأصل. ثم قال لي : معلمك الطبيب؟ قلت : مات رحمه الله قبل هذا العهد بنحو السنتين أو ثلاثة ، وكلما قلت له فيها سألني عن الطبيب أنه كان من بلاد بلنسية كذب ، ولكن كانت القراءة بالعربية لأهل بلنسيه مباحة في غير دين الإسلام ، وممنوعة لسائر أهل بلاد الأندلس ، وتسترت بالكذب من شرهم ، وذكر الغزالي نفع الله به في كتاب الإحيا : إن جاز عليك إنسان من أهل الخير ، ثم جاء في طلبه رجل ظالم سائلا عنه ليضره فقل له : مشى من تلك النحية بعكس ما تمشى منها ، لينجو المطلوب من ظلم طالبه. وأن الكذب في مثل هنا جائز ، بل مندوب إليه مع أن الإرشاد واجب ، وظهر لي أن للذي من عادته الصدق في كلامه إذا كذب فيما يجوز له الكذب مضطرا إلى ذلك أنه يقبل منه قوله ويصدق فيما يقوله.
مخ ۳۰
ثم أمر القسيس باحضر الرق وكان في الطورة مكتوب بالعربية بحروف غير منقوطة : يا طالب اللغز اقرن وإن لم تقرن لم تحط بفهم الجفر ، فسألني عن المعنى بالعجمية فذكرته له. قال لي : اتنا غدا ، قلت : إن شاء الله ، ولما أن جئت أعطاني الرق وقال لقسيس عالم شهير محمود عندهم اسمه رايه (42): اقعد معه واكتب ما يقوله لك. وكان في أعلاه مكتوب : «بسم الذات الكريمة الملتبيبة» فاحتجت كتاب في اللغة إلى فهم معنى (الملتبيبة) وأعطاني القسيس كتاب الجوهري في سفرين ، وفهمت من الملتبيبة أنه مأخوذ من لب الشيء معناه الذات الساذجة الخالصة لا مركبة ولا ممزوجة ، ثم ذكر سيدنا عيسى عليه السلام ثم قال القسيس سسليوه عن نفسه أنه مشى في طلب العلم إلى مدينة أطيناش (43) ببلاد اليونان حيث يقرأ العلم بكل لسان وأن بعد زمن مشى إلى زيارة بيت المقدس وأن الطريق بفساد الأزمنة والرياح أصابه ما شاء الله من زيارته بداء مرض العينين حتى غشي البصر بالبياض ، وأن الموكل ببيت المقدس أخرج إليه جفر الحوري يوحنا الذي كتب ربع الإنجيل ، وقال له إن فيه سرا عظيما (44)، واستشفى به ، وارتد عليه بصره. ثم أخذ منه نسخة اليوناني وترجمه باللسان المتصرف باشبانيه العجمي وهي بلاد الأندلس ، وأدخله في جدول من تسع وأربعين بيتا ووضع في كل بيت حرفا من العجمي ثم وضع تحت الجدول شرحا بالعربية ، ولما ترجمت العربي الذي ذكر أنه الشرح ، فكنت آخذ من العجمي الذي هو المتن وبالمغرب يسمى بالام إلى أن أجد علامة الوقف ، ثم آخذ من العربي وهو الشرح ما يناسبه ، فجاء الكلام مطابق ومفهوما وهو كما ذكر في الطرة : «يا طالب اللغز اقرن» والإقران لشيئين متباينين يجمعها. وأما ما ترجم به كل من سبقنا وكان فيهم أعلم مني فترجم الشرح وحده ولا فهم معناه ، وذكر لي أنه كان فيهم من قرا
انظر عنه : C. S. Cerqua," Al Hayari in Andalusia" in Studi Maghrebini III, 3, Napoli, 8691, p .. 17
مخ ۳۱
(المتلبيبة) بأن قال : «باسم الذات الكريمة المثلثة» وذلك كذب لأن حروف (المثلثة) خمسة ، و (المتلبيبة) سبعة. ففرح القسيس فرحا عظيما بما ترجمت وعلم أنه الحق وأعطاني ثلاثمائة ريالا وأيضا كتابا بالإذن للترجمة من العربي إلى العجمي وبالعكس ، وامتد الخبر عند النصارى حتى كانوا يشيرون إلي ويقولون : هذا هو الذي فهم الرق الذي وجد في الصومعة وقد مضت نحو العشر سنين بعد أن وجد ، فأمرني القسيس الكبير أن أكتب نسخة من الرق ، وبعثها للبابا بالمدينة رومة.
وبعض ما تضمن الجفر قال في العجمي المكتوب في الرق شيئا مما يكون بعد كمال ست قرون من ميلاد عيسى عليه السلام ، وقال في الشرح العربي القرن مائة سنة :
من غمرات الشرقين أتى ملك جاني بالانشرار
على الوجود قايم بتمام القدر قد انتصار
يا مالكا دايما من هذا الأمر أين الفرار
* ***
وملك يتحكم على الوجود كله إلى الغروب
ودين يتقدم على من قد أمله من العيوب
والسر يتفهم بما القدر أعطه على الذنو
فترجمت معنى هذه الأبيات.
والمفهوم منها عندهم :
أن الملك : هو النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم يقولون أنه ولد لإحدى وعشرين سنة وست مائة من ميلاد عيسى عليه السلام ، وعند أنه ولد قبل ذلك صلى الله عليه وسلم في المائة الخامسة ، واشتهر دينه في السادسة ، وقد رأيت نصبة ولادته معدلة في كتاب علي ابن أبي الرجال (45)
كان حيا عام 454 ه / 1062 م. صاحب كتاب البارع في أحكام النجوم.
انظر : م. العربي الخطابي ، فهارس الخزانة الحسنية ، 3 : 437 441.
مخ ۳۲
بتاريخ ولادته صلى الله عليه وسلم .
وفي معنى الجاني : وقع الخلاف بين المترجمين ، لأن الاسم له معنيان : فأما الشيخ الصالح الجبس وما ترجمت أنا قلنا هو اسم فاعل من جنى ، وهو ظاهر في القرآن العزيز قوله تعالى ( وجنى الجنتين دان ) (46) ولما ترجمت (أن دينه يتقدم على من قد أمله من العيوب)، فقال القسيس كيف هذه الترجمة؟ قلت : أنت تعرف تقرا وأترجم لك كل كلمة وحدها حتى ما أصاب ما يقوله ، وقد كره ذلك كثيرا ، لأن الكفار هم الذين أملوه من العيوب وتقدم دين النبي صلى الله عليه وسلم وهو موافق الآية في القرآن العزيز ، قوله تعالى : ( أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) (47) وهو معنى والله أعلم أن دين النبي صلى الله عليه وسلم يتقدم على المشركين الذين أملوه من العيوب.
وكان في أسفل الرق مكتوب بالعربية أول ما صدر يوحنا في الإنجيل كتبه بطريسي (48) قسيس خديم سسليوه ، وقال إنه أمره أن يضعه في موضع خفي حتى يريد الله أن يظهره ، وأنه وضع الصندوق في حيط الصومعة خوفا من السلطان نيرون. ولما ترجمت ابتداء الإنجيل وما ذكر فيما كتب قال لي القسيس : انظر هذه الكلمة ، قال لها معنى غير هذا ، قلت ليس لها إلا هذا المعنى ، قال فاترك موضع الكلمة أبيضا لأنه مخالف للإنجيل الذي بأيدنا ، قلت في نفسي : هذا الذي كتب في زمن سيدنا عيسى أو بإثره فهو عندي أصح من الذي عندهم الآن ، وأيضا كان في الجفر مكتوب يقول :
«من أقصى المغرب على ماء البحر يأتي سريع القوام إلى بلاد النصارى وتصل الهملى (49) إلى رومة». وذكر مما ينزل بالنصارى من الشر والخسران شيئا كثيرا. وقال عن ذلك وعلامتها أعني ما ينزل من البلاء والغلب إذا يأتي الوقت بالانفصال
مخ ۳۳
مدينة البحر يملكها الشرقي بلا محال ، ولم يشك أحد من سمع ذلك أن الشرقي هو سلطان المشرق وأنه سلطان الترك نصره الله قال لي القسيس : بأي مدينة تسمى بالعربية مدينة البحر؟ قلت : لا أدري ، لكن يظهر لي أنها البندقية لأنها في البحر مبنية فأعطاني كتاب الجغرافية بالعربية وهو من الكتب التي تعمل النصارى بالقالب المسمى بنزهة المشتاق في اختراع الآفاق ، وقال : انظر هل تجد هذا الاسم فيه ، فقرأته كله فلم أجده ، وبينما كنت أطالع إذ جاء بعض المسافرين من بلادي إلى مدينة غرناطة وعلمت في أي موضع من الفنادق كانوا ، فمشيت إليهم والكتاب عندي ، وبعد السلام والكلام فتحت الكتاب فلما رأوه مكتوبا بالعربية دخلهم الخوف العظيم من النصارى وقلت لهم : لا تخافوا لأن النصارى يكرمونني ويعظموني على القراءة بالعربية. وكان أهل بلدي جميعا يظنون أن الحراقين من النصارى الذين كانوا يحكمون ويحرقون كل من عليه شيء من الإسلام أو يقرأ كتب المسلمين يحكمون ومن أجل ذلك الخوف العظيم كان الأندلس يخاف بعضهم من بعض ولا يتكلمون في أمور الدين إلا مع من كان ذمة ، معناه : ذوءامنة. وكثير منهم كانوا يخافون بعضهم من بعض وكان فيهم من يحب يتعلم شيئا من دين الله ولا يجدون من يعلمهم. ولما كنت عازما على الانتقال من تلك البلاد إلى بلاد المسلمين كنت أعلم جميع من أراد يتعلم من الأندلس في بلدي وغيرها من البلاد التي دخلتها. ولما رأى الأندلس الحالة التي كنت عليها كانوا يقولون فيما بينهم لابد لهذا من الوقوع في أيدي الحراقين. وبلغ الحال بي حتى إذا وقفت مع جماعة للكلام نرى كل واحد منهم ينسل حتى أبقى وحدي منفردا ، ومن أجل ذلك قصدتهم وفتحت الكتاب إليهم لنريهم ما أنعم الله تعالى علي به ، إذ بدل لي الخوف بأمن ، والعقوبة والإهانة والذل بعزة وكرامة :
ومن تكن برسول الله نصرته
إن تلقاه الأسد في آجامها تجم (50)
وأما ما ذكر في الرق أن علامة النحس الذي ينزل على النصارى يكون إذا أخذ
مخ ۳۴
المشرقي مدينة البحر فكنت قد أظهرت نسخة من الرق المذكور لمولاي أحمد سلطان مراكش رحمه الله . قال واحد من قواده : لو كنت تبدل (القاف) (بفاء)، ليقول إن مدينة البحر يملكها الشريف ، فيفرح بذلك السطان. قلت : لا أبدل شيئا إن شاء الله .
** تنبيه :
سسليوه الذي كتبه ووضعه في الصومعة خوفا من السلطان نيرون كما قال هو فيه ، لأنه كان يقتل النصارى ، فوجدت تاريخ توليه للملك في سنة عشرين بعد سيدنا عيسى عليه السلام وأيضا كان كاتبا سسليوه هو وأخوه للكتب التي ظهرت تحت الأرض ، والحروف العربية التي كانت في ذلك الزمان حسبما كانت في الرق. فحرف القاف كان بنقطتين ، وهذا برهان أن المشارقة في ذلك هم على العهد القديم بخلاف المغاربة إذ لا يجعلون القاف إلا نقطة واحدة. ومدينة البحر المذكورة رجوت الله تعالى أن تكون البندقية أو مالطة لأنها في البحر ، وليس على المسلمين أضر منها. وقال لي الحاج يوسف الحكيم الأندلسي أن نهاية المسلمين الذين هم فيها أسارى خمسة آلاف وخمسمائة ، ومنهم خمسون أندلسيا والباقي ترك وأولاد عرب.
وكان في الرق أيضا يقول : من القبلة يخرج الحاكم العدل ولا يعود ؛ انتهى.
انظر هل يدل على النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه بعد افتتاح مكة المشرفة وهي القبلة ، فبعد حجة الوداع خرج منها ولا عاد إليها.
وأما الكتب التي وجدت في الغار في خندق الجنة فكانت اثنين وعشرين كتابا ، والورق كما قلنا من الأسرب (51)، ونادى القسيس الكبير الصياغ والمذوبين لعلهم يصنعون مثلها فلم يقدروا على ذلك بوجه ولا بحال ولا تدبير ، وعلموا بذلك أن الرصاص مزج معه معدن آخر ولا عرفوه ، وفي واحد من الكتب منها كتاب الحكم للصالحة مريم ، كما نقل من نسخة الفقيه الاكيحل المترجم الأندلسي رحمه الله ، وأيضا ذكر الكلام بنفسه قايد بمدينة مراكش يسمى بفارس ابن العلج ، وكان من أهل الدين ، وكان عنده الكلام محفوظا ومكتوبا.
مخ ۳۵
قال : كنت أسيرا بمدينة غرناطة ونادوني إلى حضرة القسيس الكبير وأعطوني كتابا في ورق من رصاص من الكتب التي وجدت تحت الأرض ، وقرأته والذي قال لي كان مثل ما كان مكتوبا من كتاب الاكيحل ، وقيل في الكتاب مائة حكمة وواحدة ، وهذه الثالثة منها.
وهذه هي الحكمة : يأتي في الوجود من بعد روح الله يصوع ، نور من الله اسمه الماحي المنور ، وبالمعجم البارقليطاس (52) خاتم المرسلين تأييدا ، وخاتم الدين ونور الأنبياء ، لا نور لهم دونه ولا لأحد من العالمين. فالذين آمنوا به من بعد يسعدون حق السعادة وينورون حق التنوير المبين من الله ، ومن كفر به لاحظ له في الجنة ، ولكن أكثر الناس كافرون ؛ انتهى. وقد قال لي بتونس حرسها الله الفقير الإمام الفقيه محمد بن عبد الرفيع الأندلسي (53): إن في الحكمة المذكورة سبعة أسماء من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي :
نور من الله.
الماحي.
المنور.
البار قليطاس.
خاتم المرسلين.
خاتم الدين.
نور الأنبياء.
وفي كتاب آخر حكمة ذكرها لي الأكيحل رحمه الله تعالى تدل على القيامة ، كأنه برهان عقلي ، وهي هذه : إن مات الظالمون من غير حكم وعاش الصالحون من دون أجر فذلك دليل على يوم القيامة لأن الله حاكم عدل ولا يظلم في حكمه أحدا.
مخطوط خ. ع. بالرباط ، عدد ط 1238 ، ص. 319 وما بعدها.
مخ ۳۶
وأما الكتاب الذي يرجى فيه الخير حسبما قال في كتاب مواهب الثواب للصالحة مريم عليها السلام ، ونضعه في آخر كتابنا هذا إن شاء الله ، قالت : تكون الناس على دين واحد ، وهو مكتوب كتاب حقيقة الإنجيل في سبع ورق من رصاص بحروف لم تعرف في زمننا. وأحضر للقسيس جميع حروف الهجاء التي هي الآن عند الناس في الدنيا ، وتلك الحروف التي في الكتاب مختلفة لجميع الحروف. وأما المترجمون سموه بالكتاب الأبكم لعدم معرفة قراءته ، وكان في أوله خاتم سليمان عليه السلام مكتوبا بالعربية ، وما عدا الخاتم مكتوبا بالحروف التي لم تقرأ إلى آخر الزمن في جزيرة السبر (54) في البحر الصغير بمشرق البندقية. والجدول وضعته بمحاولة :
أما الذي في الجدول أعني في خطوط الخاتم بالعربية فهو هذا : لا إله إلا الله يصوع روح الله.
مخ ۳۷
1 حقيقة الإنجيل مقلوبة العلامة كبيرة القدر.
2 كليمة الجليل جليلة العظامة يسرا على يسر.
3 تهدي إلى السبيل لليمنى والإقامة لتعظيم الأجر.
4 فهي للمقتبس من جمهر الكرامة أبها من الشمس.
5 فلاح للنفوس يسعد من أقامه بالروح والنفس.
6 تنجيه من النحوس في مشهد القيامة لحضرة القدس.
وأيضا يقرأ على أربعة أنواع مثل أن يبدى بالسطر الأول ، ثم بالخامس ، ثم بالثالث ، ثم الرابع ، ثم الثاني ، ثم بالسادس. وجه آخر في القراءة : يقرأ السطر الأول ثم الثالث ثم الخامس ثم السادس ثم الخامس ثم الرابع.
وجه ثالث : يقرأ السطر الأول ثم الثالث ثم الخامس ثم الثاني ثم الرابع ثم السادس.
وجه رابع : يقرأ الأول ثم الثالث ثم الخامس ثم الثاني ثم الرابع ثم السادس ، وهو من العجمي.
وقد قلت للقسيس نحب نطالع الكتاب الذي لم يقرأ المسمى بحقيقة الإنجيل لعلي نستخرج منه شيئا ، قال لي : لم يبلغ الزمن الذي يقرأ فيه الكتاب. وعلم ذلك من الكتاب المسمى بكتاب مواهب الثواب للصالحة مريم. وقد وجدت في تونس حرسها الله نسخة منه بالعربية وأخرى بالأعجمية أتى بالنسختين واحد من الأندلس الذي كان يترجم ، ووجدت في الأعجمية الباطل والكذب ما لا كان في النسخة العربية (55). وهذه عقيدة في توحد الله تعالى من واحد من الكتب المذكورة وهي من كتاب تصفيون ابن العطار في الذات الكريمة. قال : الدوام لا يزال هو في الله أول كل شيء ، الذي ليس لبدايته ابتداء ولا لفصيلته انقضا ، لا يبلغ كنه
انظر مقاله : Le Milieu Hispano Moresque de l\'Lvangile Islamisant de Barnabe) X V I XVIIs (: in Islamo christiana, Rome, 2891, 8, pp. 061 381 .
مخ ۳۸