ثم أمر القسيس باحضر الرق وكان في الطورة مكتوب بالعربية بحروف غير منقوطة : يا طالب اللغز اقرن وإن لم تقرن لم تحط بفهم الجفر ، فسألني عن المعنى بالعجمية فذكرته له. قال لي : اتنا غدا ، قلت : إن شاء الله ، ولما أن جئت أعطاني الرق وقال لقسيس عالم شهير محمود عندهم اسمه رايه (42): اقعد معه واكتب ما يقوله لك. وكان في أعلاه مكتوب : «بسم الذات الكريمة الملتبيبة» فاحتجت كتاب في اللغة إلى فهم معنى (الملتبيبة) وأعطاني القسيس كتاب الجوهري في سفرين ، وفهمت من الملتبيبة أنه مأخوذ من لب الشيء معناه الذات الساذجة الخالصة لا مركبة ولا ممزوجة ، ثم ذكر سيدنا عيسى عليه السلام ثم قال القسيس سسليوه عن نفسه أنه مشى في طلب العلم إلى مدينة أطيناش (43) ببلاد اليونان حيث يقرأ العلم بكل لسان وأن بعد زمن مشى إلى زيارة بيت المقدس وأن الطريق بفساد الأزمنة والرياح أصابه ما شاء الله من زيارته بداء مرض العينين حتى غشي البصر بالبياض ، وأن الموكل ببيت المقدس أخرج إليه جفر الحوري يوحنا الذي كتب ربع الإنجيل ، وقال له إن فيه سرا عظيما (44)، واستشفى به ، وارتد عليه بصره. ثم أخذ منه نسخة اليوناني وترجمه باللسان المتصرف باشبانيه العجمي وهي بلاد الأندلس ، وأدخله في جدول من تسع وأربعين بيتا ووضع في كل بيت حرفا من العجمي ثم وضع تحت الجدول شرحا بالعربية ، ولما ترجمت العربي الذي ذكر أنه الشرح ، فكنت آخذ من العجمي الذي هو المتن وبالمغرب يسمى بالام إلى أن أجد علامة الوقف ، ثم آخذ من العربي وهو الشرح ما يناسبه ، فجاء الكلام مطابق ومفهوما وهو كما ذكر في الطرة : «يا طالب اللغز اقرن» والإقران لشيئين متباينين يجمعها. وأما ما ترجم به كل من سبقنا وكان فيهم أعلم مني فترجم الشرح وحده ولا فهم معناه ، وذكر لي أنه كان فيهم من قرا
انظر عنه : C. S. Cerqua," Al Hayari in Andalusia" in Studi Maghrebini III, 3, Napoli, 8691, p .. 17
مخ ۳۱