مُعَاذٌ، فَهَذَا تَأْوِيلُ هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ، لَا مَا ذَهَبْتَ إِلَيْهِ مِنَ الجُنُونِ وَالخُرَافَاتِ، فَزَعَمْتَ أَنَّ الله بَعَثَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ صُورَةً فِي اليَقَظَةِ كَلَّمَتْهُ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ: «يَا رَبِّ»، غَيْرَ أَنِّي أَظُنُّكَ لَوْ دَرَيْتَ أَنَّهُ يُخْرِجُكَ تَأْوِيلُكَ إِلَى مِثْلِ هَذِهِ الضَّلَالَاتِ؛ لَأَمْسَكْتَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّكَ تَكَلَّمْتَ عَلَى حَدِّ الحِوَارِ آمِنًا مِنَ الجَوَابِ غَارًّا أَنْ يُنْتَقَدَ عَلَيْكَ.
وَقَدْ رَوَى المُعَارِضُ أَيْضًا عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: «بَيْنَمَا عَبْدُ الله يُمَجِّدُ رَبَّهُ إِذْ قَالَ مِعْضَدٌ: نِعْمَ المَرْءُ رَبُّنَا فَقَالَ عَبْدُ الله: إِنِّي أُجِلُّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ» (١).
فَادَّعَى المُعَارِضُ فِي تَفْسِيرِهِ تَخْلِيطًا مِنَ الكَلَامِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: الشَّخْصُ فِي قَوْلِهِ شَيْءٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ الله إِلَّا بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهَ، فَأَظُنُّ بِهِ أَنَّهُ يَعْنِي الشَّيْءَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ شَخْصًا، وَالله لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ شَيْءٌ.
فَإِنْ كَانَ هَذَا المُعَارِضُ ذَهَبَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ؛ فَهَذَا مَحْضُ الزَّنْدَقَة؛ لِأَنَّ الله أَكْبَرُ الأَشْيَاءِ، وَأَعْظَمُ الأَشْيَاءِ وَخَالِقُ الأَشْيَاءِ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١] نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ﵁.
(١٨٠) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ أَبِي عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ الله الفِهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ (٢).
وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نُورٍ مَخْلُوقٍ إِلَّا وَلَهُ مَرْأًى وَمَنْظَرٌ، فَكَيْفَ النُّور الأَعْظَم خَالقُ الأَنْوَار.
(١) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (٦٤٠)، من طريق الأعمش، به.
(٢) تقدم تخريجه برقم (١٠٧).