وادَّعى المُعَارِضُ أيضًا أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الصَّلْتِ يَذْكُرُ أَنَّهُ كَانَ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بَيْتٌ يُسَمَّى بَيْتُ الحِكْمَةِ، فَمَنْ وَجَدَ حَدِيثًا ألقَاهُ فِيهِ ثُمَّ رُويَت بَعْدَهُ.
فَهَذِهِ حِكَايَةٌ لَمْ نَعْرِفْهَا وَلَمْ نَجِدْهَا فِي الرِّوَايَاتِ، فَلَا تَدْرِي عَمَّنْ رَوَاهَا أَبُو الصَّلْتِ، فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ عَنْ ثِقَةٍ، فَقَدْ كَانَ مُعَاوِيَةُ مَعْرُوفًا بِقِلَّةِ الرِّوَايَةِ عَنْ رَسُولِ الله ﷺ، ولو شاء لَأَكْثَرَ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَتَّقِي ذَلِكَ وَيَتَقَدَّمُ إِلَى النَّاسِ يَنْهَاهُمْ عَنِ الإِكْثَارِ عَلَى رَسُولِ الله ﷺ حَتَّى إِن كَانَ لَيَقُولُ:
«اتَّقُوا مِنَ الرِّوَايَاتِ عَنْ رَسُولِ الله ﷺ، إِلَّا مَا كَانَ يُذْكَرُ مِنْهَا فِي زَمَنِ عُمَرَ، فَإِنَّ عُمَرَ ﵁ كَانَ يُخوِّف النَّاسَ فِي اللهِ».
(١٦٢) حَدَّثَنَا ابْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ ... وَسَاقَهُ بِإِسْنَادِهِ (١).
وَهَذَا طَعْنٌ كَثِيرٌ مِنَ المُعَارِضِ أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ أَحَادِيثَ النَّاسِ عَنْ غَيْرِ ثَبْتٍ فَيَجْعَلُهَا عَنْ رَسُولِ الله ﷺ، وَلَوِ استحلَّ مُعَاوِيَةُ هَذَا المَذْهَبَ؛ لَافْتَعَلَهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَنَحَلَهَا رَسُولَ الله ﷺ، فَكَانَ يُقْبَلُ مِنْهُ، لِمَا أَنَّهُ عُرِفَ بِصُحْبَةِ رَسُولِ الله ﷺ، وَلَمْ يَكُنْ يُنْحِلُهُ قَوْلَ غَيره مِنْ عَوَامِّ النَّاس.
ويَدُلُّك قِلَّةُ رِوَايَة مُعَاويةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وكَانَ كَاتِبُهُ- عَلَى تَكْذِيبِ مَا رَوَيْتَ عَنْ أبي الصَّلْت.
فَإنْ كُنْتَ صَادِقًا، فَاكْشِفْ عَنْ إِسْنَادِهِ فَإِنَّكَ لا تُسْنِدُهُ إِلَى ثِقَةٍ.
وَكَذَلِكَ ادَّعَيْتَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاص، وكَانَ مِنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِ النَّبيِّ ﷺ رِوَايةً عَنْهُ، مَعْرُوفًا بِذَلِكَ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُ أَصَابَ يَوْمَ اليَرْمُوكِ زَامِلَتَيْنِ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الكِتَابِ فَكَانَ يَرْوِيهَا لِلنَّاسِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وكَانَ يُقال لَهُ: أَلا
(١) أخرجه مسلم (١٠٣٧)، وأحمد (١٦٩١٠)، وغيرهما من حديث معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الله بن عامر اليحصبي، قال: سمعت معاوية، فذكره.