أنا في هذه اللجنة خادم المنكوبين في سوريا، لا المتحزبين والمشاغبين في نيويورك. وطني الجائع، وطني البائس، وطني المشرف على الموت، لا أرى اليوم سواه، ولا أسمع نداء سواه ولا أعرف سواه، ولا أكبر مصيبة سواه. وفي هذا أنا من المخصصين لا المعممين.
ولا يظن السوريون أني متفرد بهذه العاطفة الوطنية. كلا. إني أرى فينا - في نيويورك وخارجها - كثيرين ممن يقولون قولي، ويشعرون شعوري، ويعملون عملي.
لا يزال - والحمد لله - في الجالية السورية النيويوركية بصيص من الضمير الحي. لا يزال في السوري - على ما فيه من الأنانية الشديدة - عاطفة سامية جميلة تغلو على أمياله وأهوائه. لا يزال - والحمد لله - فينا من يتطلع من كوى النزعات القروية والسياسية والشخصية إلى اللب دون القشور. فهو إذا قال: بلدتي، وأبناء بلدتي. يعمل في الحقيقة لوطنه، وللجياع في وطنه.
التخصيص والتعميم، كلمتان في كلتيهما حق، وفي كلتيهما تضليل. جميل بالمرء أن يخصص أولا أبناء بلاده بإحسانه. وأجمل من ذلك أن يتناول إحسانه غير أبناء بلاده.
ولكننا نحن السوريين من الأمم الصغيرة والمستضعفة. ومع ذلك ترانا نحسن دائما إلى سوانا. أذكر أننا في نكبة الطليان في سيسيليا كان سوريو المهجر في مقدمة من مدوا يد الإحسان لإغاثة المنكوبين في تلك الجزيرة. وغيري يذكر غيرها من أمثولات البر التي تبرهن على غيرتنا، على إنسانيتنا، على عاطفة كرم هي من أخص حسنات السوري.
فما بالنا - وشعورنا الإنساني لم يزل حيا سالما فينا - ننادي بالتخصيص؟ ما بالنا - وكلنا سوريون، سليقة الكرم فينا شرقية، وعاطفة البر فينا غريزية - نتقاعس ونتردد في إغاثة المنكوبين في وطننا العزيز؟
إن التخصيص القروي في حالنا، ونحن بعيدون عن الوطن ولا علم لنا بأماكن النكبة ومقدار شدتها في كل قرية؛ لمن المبادئ الفاسدة نظرا وعملا.
أنا من قرية صغيرة في لبنان تدعى الفريكة. سكانها لا يتجاوزون المائة عدا كلهم من المزارعين. ولا ريب في أنهم كلهم اليوم في حاجة إلى الإسعاف. فلو قلت بالتخصيص القروي أو البلدي، لوجب علي وحدي في هذه البلاد إغاثة أبناء قريتي. وقد لا أتوفق إلى ذلك. ومثلي - لا شك - كثيرون من القرى الصغيرة في سوريا ولبنان. فهل التخصيص من هذه الوجهة حق، وهل يأتي بالفائدة المرغوبة؟
وهناك سوريون كثر عددهم، وجزل خيرهم، قاموا يخصون بلدتهم بإحسانهم. وقد لا تحتاج بلدتهم إلى كل ما يجمعونه من المال. فهل يجوز يا ترى أن يمنعوا إحسانهم عمن لا عضد ولا عون لهم؟ وهل يستقيم في عملهم معنى الإحسان الحقيقي؟ إذا كنا ننهض نهضة واحدة - كسوريين - لإغاثة الأجانب في نكباتهم أفلا يجدر بنا اليوم أن نعمل كذلك لإغاثة إخواننا في الوطن؟
التخصيص من هذه الوجهة مبدأ فاسد. في مثل هذا التخصيص تضليل وتقصير، ناهيك عما فيه من الأثرة وحب الذات.
ناپیژندل شوی مخ