264

لم أكن لأستوقفكم عند هذا البحث لو لم تكن قد اتهمت سماؤنا نحن السوريين بخمود طباعنا، فقال الأوروبيون: إن لطيف هوائنا وجميل جونا لمما يدعو إلى الخمود والخمول، ومعاذ الله أن تكون هذه السماء الجميلة سماؤنا أم هاته الآفات في أبنائها، وإنما هنالك عوامل أخرى مدنية ودينية وأدبية غير عوامل الشمس والهواء والحر والقر. إن الأخلاق مزايا راسخة في النفس تعمل في إظهارها الأحوال الاجتماعية في الدرجة الأولى، ومن هذه العوامل الاجتماعية العادات والتقاليد والشرائع والأديان، فهي تعمل في إصلاح الأخلاق كما تعمل في إفسادها.

وهاكم مثالا من ترهات أمة شرقية مما لم نزل نحن في بعضها، كانت للتتر أيام جنكيزخان قوانين وأحكام سخيفة يراعونها وينزلونها منزلة الشرائع الإلهية، ومن أغربها أن من يرمي سكينا في النار يعد مجرما قصاصه الشنق. وكذلك من نام على سوط، أو ضرب حصانا برسنه، أو كسر عظما على عظم آخر. ولكنهم وإن احترموا مثل هاته الترهات من الأحكام لم يروا في نكث العهد عيبا، ولا في السرقة والنهب والقتل ذنبا. فالأحكام السخيفة والقوانين الباطلة أفسدت أخلاقهم فأمسوا لا يعرفون من الخير والشر غير ما أجازه الحاكم أو أبطله. والشرائع السخيفة الباطلة في أمة لا تعرف غير أميرها سيدا تذهب بحرمة النواميس الطبيعية والإلهية، ناهيك بما لها من التأثير الخبيث في روابط الألفة وفي الجامعة الوطنية.

إن الشرائع ألقت بيننا إحنا

وأودعتنا أفانين العداوات

ليس الذنب إذا ذنب سمائنا وهوائنا، بل هي الشرائع كما قال المعري، ولم تزل كما كانت في أيامه تعبث بالعقول وتفسد في الأخلاق و...

كم وعظ الواعظون منا

وقام في الناس أنبياء

فانصرفوا والبلاء باق

ولم يزل داؤك العياء

4

ناپیژندل شوی مخ