267

رَی په ابي العلاء: هغه سړی چې خپله ځان موند

رأي في أبي العلاء: الرجل الذي وجد نفسه

ژانرونه

أن أبا العلاء تتقابل آراؤه في كل شيء من الدين والدنيا، ومن شئون السلوك الإنساني كله حتى ليمكنك وضع ثبت من ذلك بمتقابلات معانيه، يساير فيه التيار الموجب تيار سالب. ومن هذا استطعت أن أقول: (4)

إن أبا العلاء من حيث المعرفة أو المذهب الفلسفي لم يعين شيئا تستند إليه فلسفة، ثم تبين إلى جانب ذلك أنه لم يترك التفلسف فقط، بل كانت له اتجاهات تخل بالمنهج الفلسفي إخلالا واضحا؛ فقد حدد مقدرة العقل، وقرر وجود الأسرار التي لا ترام، ونفى ثبات النواميس واطراد السنن الكونية، وترك الكون للمشيئة المطلقة، وليس كذلك يقول، حتى الدينيون المحدثون، كما بينت في نفي الفلسفة عنه والإخلال بمنهجها، نواحي أخرى متعددة.

وإلى هنا تعين ألا تفهم آثار أبي العلاء بمنطق الفلسفة المنظم للتفكير العقلي، وبقي أنه متفنن، أديب، لعله تبع منطق العاطفة، وهدى الوجدان، فوجب أن نفهمه فهما نفسيا تدل فيه حالة النفس على ما اتجه إليه إحساس الرجل، وما وجده من وقع الحياة على روحه لا على عقله، وفي معاناته المنطقية التفكيرية. ومن أصول هذا الفهم النفسي: (5)

أن أبا العلاء من حيث هو إنسان خاضع للنواميس النفسية العامة تترك حاله الجسمية فيه أثرها، أو آثارها النفسية، والرجل ذو آفة شديدة الوقع، فلا بد أنها تركت فيه أثرا في تناوله وتفننه وتصرفه. والناموس العام للناقصين والمحرومين هو: فعل مركب النقص أو عقدة العجز في نفوسهم، وأبو العلاء منهم، فلا أن يكون لهذا الناموس مظهره في حياته، وبالاستعانة بأقوال أبي العلاء نفسه وخواطره الخصبة الوافية والتي دونها، تبين: (6)

أن أبا العلاء قد كانت حياته استعلاء متصلا، وتعويضا متلاحقا؛ إذ مر بدورين واضحين في فهمه هو لنفسه، ووصفه لشئون حياته في آثاره التي بلغت حد الاعترافات الصريحة المفصلة الدقيقة الصادقة. وبملاحظة هذا الناموس يمكن تفسير وقائع حياة أبي العلاء، ويتجلى مراده مما يقول نثرا وشعرا. ومن كل أولئك يصدق حكمنا عليه بصحة فهمنا له، فعرضت لفهم أبي العلاء من قوله المتقابل وفعله المسير بالمؤثرات النفسية، فتبين من ذلك: (7)

أن أبا العلاء تقنع وصبر على رغبة في الحياة ملحة. فليس هو فيلسوفا متقشفا، ولا زاهدا قد غلب نفسه، بل هو محروم مترفع. (8)

أن أبا العلاء لم يستطع أن يعتزل الناس لبقية حبه الحياة، وعنائه بالحالة النفسية التي قاساها طول حياته بفعل الناموس النفسي. (9)

بقي النظر في موقفه أمام المرأة والنسل، وقد حق علينا فهمه كذلك فهما نفسيا بعدما تعين أن هذا هو طريق الفهم السليم، فتبين من النظر في فنه ذاته. (10)

أن أبا العلاء - فيما أرجح - قد منعه من الزواج والنسل مانع جنسي غير الفلسفة والزهد، ولهذا المانع أثره الخطير في نفسية الرجل، كما كان لآفته المادية أثرها، ودارسو النفس الإنسانية خلقاء بأن يزيدونا فهما لأثر هذا المانع في نفس الرجل. وبعدما تبين أنه ليس فيلسوفا ولا خاضعا للمنطق العقلي، وبعد الذي رأينا من معونته الصادقة القوية لنا على فهم نفسه من آثاره الصريحة الجريئة الصادقة؛ أدركنا في جلاء: (11)

أن أبا العلاء رجل وجدان، دقيق الحس، عميق الإدراك، صادق التعبير جدا، جريء التعرض للمعاني والخواطر، كاد يكون - أو قد كان فعلا - في الأدب العربي هو الرجل الذي وجد نفسه، وتحدث عن نفسه أدق حديث وأرهفه حسا، وأعمقه تأملا، لم يدع نفسه قيثارة لإطراب الآخرين، ولا قصبة تصفر فيها رياح أهوائهم، وأكاذيب مجدهم.

ناپیژندل شوی مخ