قال: أردت فى بداية أمرى أن أمضى إلى الحج، ولما وصلت بغداد كانت أفكار كثيرة فى رأسى؛ لأنى لم أمض لزيارة الجنيد، ولما نزلت فى البادية، كان معى حبل ودلو فعطشت، فبلغت بئرا، فرأيت غزالا كان يشرب منه، ولما مضيت لرأس البئر هبط ماؤه، فقلت: يا إلهى أعبد الله أقل قدرا من هذا الغزال؟، فسمعت صوتا يقول: الغزال ليس له حبل ودلو واعتماده علينا، ففرحت وطرحت الحبل والدلو ومضيت، فسمعت صوتا يقول: يا عبد الله كنا نختبرك؛ لنعرف كيف أنت؟، فارجع واشرب الماء، فرجعت فارتفع الماء إلى رأس البئر؛ فتوضأت وشربت ومضيت، فما مستنى الحاجة إلى المدينة، ولما عدت وقدمت بغداد كان ذلك يوم الجمعة، فدخلت الجامع فوقعت عين الجنيد على، فقال: يا عبد الله لو أنك صبرت لنبع الماء من تحت قدمك.
وتوفى فى بغداد فى نفس السنة أبو الحسن على بن إبراهيم الحصرى البصرى المقيم فى بغداد شيخ الوقت، وصاحب أقوال عجيبة وأعمال، وكانت له صلة بالشبلى، وتوفى الطائع فى سنة ثلاثمائة واثنتين وسبعين، وكانت مدة خلافته سبعة عشر عاما.
القادر بالله أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر:
كان الخليفة الخامس والعشرين من خلفاء بنى العباس، والرابع والأربعين بالنسبة إلى النبى (عليه السلام).
كان رجلا صاحب رأى وتدبير ويعتز به ملوك الديلم، وكان يحضر ديوان المظالم الذى ينعقد فى داره كل يوم اثنين وخميس، ولم يعش أحد من خلفاء بنى العباس مدة أطول منه، وتوفى وفاة طبيعية، وكان وزيره أبا الفضل حاجب بن النعمان، وأمير خراسان نوح بن منصور بن نوح.
وكان آل سامان أمراء خراسان، وحماة بلاد الإيمان. وهم تسعة ملوك وكان عهدهم أزهى العهود، واسمهم فى هذه الرباعية:
كان آل سامان تسعة أشخاص عظماء
واشتهروا بإمارة خراسان
إسماعيل وأحمد ونصر
ونوحين وعبد الملكان ومنصوران 67
ولما هزم السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين، عبد الملك بن نوح على باب مرو، سلم له ملك خراسان يوم الاثنين السابع والعشرين من جمادى الأولى سنة ثلاثمائة وتسع وثمانين، وقدم أرسلان بن إيلبك بن نصر بن على بخارى، وهرب عبد الملك بن نوح من جيشهم، ومضى إلى بلاد ما وراء النهر، واستولى السلطان محمود على خراسان بالكامل، وجعل غزنين دارا لملكه.
مخ ۲۰۲