[15_2]
عبد الباقي بن مراد العمري
عمي عبد الباقي.
فاضل كامل، وكامل فاضل. جبلت طينته بماء الرئاسة، وسارت فواضله بأنواع المكارم والنفاسة. ففضله آية النهار، ومجده هلال جميع الأمصار. ملك زمام الفوائد، فحسن المبادئ والمقاصد. وصاغ قلائد المجد لجيد العلا، ونظم عقود اللآلي لكل الملا.
البسه الله ثياب العلا ... فلم تطل عنه ولم تقصر
نظم ونثر، وهطل فقطر. فكان في الشعر أبلغ من أبي نواس، وفي الذكاء أفرط من إياس. حتى اخبرني الوالد الماجد رحمه الله عن فرط ذكائه إنه قال: كان مصطفى البصير، في المعارف خبير، وكان في الحفظ لا يقبل النظير. وكان يلازم المومى اليه، ويجعل معوله دون الناس عليه. ويلازم ناديه، متوقعا لنثار أياديه. وقد أرجت منه نوافج الند، وماست معاطف الرند. وهو في مجلسه، متشرف بتأنسه. فيتناشد الأشعار ويتذاكر عن مواقع النثار، في تلك النضار. ويتفكهون بالنشيد ويتسامرون بالقصيد. فينتعش البصير ويتمايل، ويهتز طربا بكل ما يتناول. ويحفظ قصائد من نشيد واحد، ويدعي سماعه في الزمان المتباعد. وينشدها فإذا هو كما قال، من غير ضميمة نقص واختلال. فيهتز عمي به طربا، ويستخرج من معادن فكره جواهر وذهبا.
وكان في الغاية سريع النظم، قوي الفهم، منظوم الكلم. غريب النباهة، عجيب البداهة. رائق النشيد، فائق النظم والقصيد. فنظم مرة قصيدة، كاللآلئ نضيدة. وهي في بابها عجيبة، وحشية الألفاظ غريبة. متقاربة الألفاظ، مشكلة على الحفاظ. من قبيل ما ذكره صاحب المستطرف نقلا عن الأصمعي قوله:
صوت صفير البلبل ... هيج قلب الثمل
امتحانا للبصير، وتجربة لحفظه الغزير. فلم يسعه حفظها. وسلم له بالذكاء والفهم
مخ ۱۵