[9_2]
فإنه زاد على هذا نكتة لطيفة لا تخفي على المتأمل، إذ ما على خده من النار المضرمة إنما هي مستعارة من قلبه الذي هو منزله ومكانه. وأما بيت ابن النبيه فخلاصة ما فيه النار فقط.
ومثله للشيخ تقي الدين قوله:
وطال علينا السير في ليل شعرها ... فهنا كانا قط لم نعرف الفجرا
ولكن بأعلى خدها رفعت لنا ... من النار في الظلماء ألوية حمرا
ومن القصيدة المذكورة:
فاقت بدور التم طلعة وجهه ... فله عليها للطلوع ذمام
فإذا تبدى أو ترنح شاديا ... فالليل صبح والغصون حمام
وإذا رنا أسباك من ألحاظه ... سحر له هاروت فيه غلام
لله أي سويعة قضيتها ... فكأنها من طيبها أحلام
نادمته والعيش برد نعيمه ... صاف وما للحادثات نظام
أبرا بلذة أنسه وكلامه ... قلبا برته من الصدود كلام
في روضة عبق النسيم بطيبها ... وتفتحت عن نورها الأكمام
صدحت بلابلها على أغصانها ... فنمت لطيب سماعها الأجسام
كأنه أشار بهذا البيت إلى ما قاله مروان بن أبي حفصة إن الغناء غذاء الأرواح، كما إن الشراب غذاء الأشباح، وذلك لأن أصوات البلابل والحمائم ونحوها يختلف باختلاف السامع، فمنهم من جعله غناء، ومنهم من جعله عناء. إذ الإيقاعات المطربة لها في النفوس منزلة وتأثير عجيب، وموقع لطيف في تصفية الذهن، وتفريج القلب، وجلب السرور حتى قال بعضهم: أن أمهات لذات النفوس أربعة: لذة المطعم والمشرب والنكاح والسماع. فالثلاثة الأولى لذات جسمانية، ولا يتوصل إلى واحدة منها إلا بحركة تكلف. ولذة السماع نفسانية، ونشوة روحانية،
مخ ۹