فأما نقضهم للآية الأولى، فلأن القدم مختص به المولى ، وبجعلهم قديما سواه فوصفوا غير الإله بصفة يختص بها الإله، وأما نقضهم للآية الأخرى فلأخراجهم عن الخلق بعض المخلوقات كما ترى، حتى غلا بعضهم في المين (¬1) ،وزعم الجلد والغلافة قديمين .
أما غير الحنابلة ، فقد اتفقوا على خلق ما بين الدفتين، لكن جعلته الأشاعرة (¬2) ترجمانا عن معنى قائم بالذات، زعموا أنه في حقيقة القرآن ، وأن ما بين الدفتين عبارات عنه ، فلزمهم إنكار إنزال القرآن ، ودعوى قديم ثان هو أحد المعاني ، ولما كان مذهب الأصحاب (¬3) - رحمهم الله تعالى - أن صفات الذات هي عين الذات لا غيرها وإن جميع ما عدا الخالق فهو مخلوق ، علمنا يقينا مخالفتهم لما عليه الحنابلة من دعوى قدم القرآن ، ولما عليه الأشعرية من أنه عبارات عن معنى ثان وأنه ليس هو حقيقة القرآن ، فتحصل من مذهبهم ان ما بين الدفتين هو القرآن ، وأنه ليس مع الله قديم ثان لا من الذوات ولامن المعاني ، بهذا صرح المغاربة (¬4) -رحمهم الله تعالى - وبعض المشارقة (¬5) -رضي الله عنهم- وقد قسموا الكلام الإلهي إلى : كلام ذاتي وفعلي . فالذاتي : هو عبارة عن نفي الخرس عنه تعالى ، والفعلي : هو الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن .
مخ ۳۹