وفي أم قرى الحواس، والسير في رياض عالم القدس، واستيطان بطنان (1) عرش التعقل معا، فيكون جوهر الروح العاقل حين تدبير دار الجسد، والتعلق الطبيعي بأرض الهيولى أكيد العلاقة جدا بقطنة (2) عالم الأمر، شديد الاتصال بروح القدس، المعبر عنه في لسان حكمة ما فوق الطبيعة بالعقل الفعال، وواهب الصور بإذن ربه؛ ومن هناك يستوجب النبي أن يكون في جوهر نفسه العاقلة ذا خصائص ثلاث ألبتة:
أولاها: الاستغناء عن مؤن الاقتناص والتعلم؛ لكونه مؤيد النفس بشدة الصفاء وشدة الاتصال بالمبادئ العقلية إلى أن يشتعل حدسا وقبولا من روح القدس في كل شيء، فينعقد في ذهنه القياس بلا معلم، وتكون علومه وتعقلاته حدسيات، فتنطبع فيه الصور التي في العقل الفعال، ويحصل له ما يمكن أن يحصل لنوعه من العلوم بحسب الكم دفعة، أو قريبا من دفعة بحسب الكيف، لا ارتساما تقليديا، بل انطباعا من سبيل العقل المضاعف، بترتيب مشتمل على الحدود الوسطى؛ فإن التقليديات (3) في أولات أسباب إنما تعرف بأسبابها، لا تكون عقلية يقينية، فهذا ضرب من النبوة بل أعلى قوى النبوة، ويسمى عقلا قدسيا وقوة قدسية، وهي أعلى مراتب القوى الإنسانية في جانب الكمال.
وفي مقابلتها في جانب النقصان من لا حدس له منتهيا إلى عدم الحدس وفقد الاتقاد (4) رأسا، كما مقابله ينتهي في طرف الزيادة إلى الحدس والاشتعال في كل
مخ ۶۱