أولئك آبائي فجئني بمثلهم * إذا جمعتنا يا جرير! المجامع (1) وإن كتاب الكافي لشيخ الدين، وأمين الإسلام، نبيه الفرقة، ووجيه الطائفة، رئيس المحدثين، حجة الفقه والعلم والحق واليقين، أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني - رفع الله درجته في الصديقين، وألحقه بنبيه وأئمته الطاهرين - قد حوى من ذلك طسقا (2) وافيا، وقسطا كافيا، ولم يكن يتهيأ لأحد من الفقهاء والعلماء والعقلاء والحكماء من عصر تصنيفه إلى زمننا هذا - والمدة سبعمائة سنة - أن يتعاطى حل غوامضه، وشرح مغامضه، ويتفرغ لتفسير مبهماته، وتحرير مهيماته مع ما ترى الأفئدة في الأدوار والأعصار هاوية إليه، والأكباد في الأقطار والأمصار هائمة عليه؛ إذ كان دخول ذلك في منة (3) الميسرة، وقوة المقدرة محوجا إلى أن يكون المرء في جوهر نفسه بحسب فطرته الأولى المفطورة مطبوعا على قريحة سماوية، وفطرة ملكوتية، وغريزة عقلانية، وجبلة قدسانية.
ثم إذا هو في فطرته الثانية - المكسوبة من كل علم من العلوم العقلية والنقلية والحكمية والشرعية الأصلية والفرعية على النصاب الأتم، والنصيب الأوفر - ذا تدبر وميض، وتتبع عريض، غزير المراجعات، كثير المباحثات، قد راجع وروجع، وناظر ونوظر دهرا صالحا، وأمدا طويلا، مجتهدا في إبلاغ قوتيه العاقلة والعاملة ميقاتهما من الكمال، وإسباغ شطريه النظري والعملي في كفتي ميزان الاستكمال، ومع تيك وتيك وذا وذا، ذا خلوات وخلسات (4) في مجاهدات قلبية، ومراصدات
مخ ۲۴