والمعنى، أن حكمته تعالى اقتضت إظهار الحجج على الخلائق ببعثة الأنبياء، ونصب الأوصياء (عليهم السلام)؛ ليكمل الخلقة، ويتم النعمة؛ إذ بدون ذلك لا يتمشى النظام، ويقع الهرج والمرج كما بين في موضعه.
قوله: (اخترع الأشياء إنشاء، وابتدعها ابتداء بقدرته وحكمته).
" الاختراع " و " الابتداع " لفظان متقاربان في المعنى، وهو إيجاد الشيء لاعن أصل، ولا عن مثل. ومن أسمائه " البديع "، وهو فعيل بمعنى المفعل ، كالأليم بمعنى المؤلم. والمراد أنه تعالى أوجد الأشياء بنفس قدرته لا عن مادة، وبمحض حكمته، لا لغرض؛ إذ لو أوجدها بواسطة أصل وعنصر، لافتقر في فاعليته إلى سبب آخر منه الأصل، فلم يكن مبتدعا؛ لأن الغرض والعلة الغائية ما يجعل الفاعل فاعلا، فالأول إشارة إلى نفي العلة المادية عن فعله، والثاني إلى نفي العلة الغائية عنه.
قوله: (لامن شيء فيبطل الاختراع، ولا لعلة فلا يصح الابتداع).
هذا من مقتبساته - رحمه الله تعالى - مما قد تواتر تكرر أنواره في مشكاة الحكمة، ومصباح البلاغة أعني كلام مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبه وحكمه، وكلمات سادتنا الطاهرين (عليهم السلام) في أحاديثهم وأدعيتهم.
فاعلمن أن " الابتداع " في عرف العلوم اللسانية: إخراج الشيء من العدم إلى الوجود بديعا، أي متخصصا ممتازا بنوع حكمة فيه.
" والاختراع ": رعاية تأنق وتعمل في إخراجه من العدم، مأخوذ من " الخرع " بمعنى الشق، وإذا استعمل بالنسبة إليه سبحانه ما يدل على تكلف وطلب، ريم به ما يلزمه من كمال الصنع وجودة المصنوع؛ لأنه - تعالى عزه - متعال عن التروي والاعتمال.
وجعل بعضهم " الإبداع " و " الاختراع " الإخراج لا على مثال، إلا أن " الاختراع " يناسب القدرة، " والإبداع " يناسب الحكمة.
وأما في اصطلاح العلوم الحقيقية، ولسان علماء الحقيقة، فتارة يقال: " الإبداع ":
مخ ۳۵