بعض، كما يقال: السبب أعلى من المسبب.
إذا عرفت ذلك فنقول: يستحيل أن يكون بالمعنى الثاني؛ لتنزهه عن الكمالات الخيالية التي يصدق لها العلو الخيالي؛ إذ هي كمالات إضافية تتغير وتتبدل بحسب الأشخاص والأوقات، وقد تكون كمالات عند بعض الناس ونقصانات عند آخرين، كدول الدنيا بالنسبة إلى العالم الزاهد، ويتطرق إليه الزيادة والنقصان، ولا شئ من كمال الأول الواجب سبحانه - لتنزهه عن النقصان والتغيير - بوجه ما، فبقي أن يكون علوه علوا عقليا مطلقا، يعني أنه لا رتبة فوق رتبته، بل جميع المراتب العقلية منحطة عنه.
" ودنا فتعالى " قد أورد الجامع المؤلف - قدس سره الشريف - " الدنو " مقابلا ل " العلو " المستلزم للبعد، وكما علمت أن العلو يقال على المعاني الثلاثة المذكورة بحسب الاشتراك، فكذلك ل " الدنو " يقال: ثلاثة معان مقابلة لها.
فيقال: مكان فلان دنى من مكان فلان إذا كان أسفل منه.
ويقال: رتبة الملك الفلاني أدون من رتبة السلطان الفلاني، إذا كان في مرتبة أقل منه، ورتبة المعلول أدنى من رتبة علته.
ويقال على معنى رابع، فيقال: فلان أدنى إلى فلان وأقرب إليه إذا كان خصيصا به مطلعا على أحواله أكثر من غيره.
والبارئ تعالى منزه عن أن يراد بدنوه أحد المفهومات الثلاثة الأول، بل المراد هو المفهوم الرابع، فقربه في دنوه إذن بحسب علمه الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض، ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك، ولا أكبر. (1) ف " تعالى " رد الأحكام الوهمية بأن ما قرب منها فقد ساواها في أمكنتها، فيقال: قربه ليس منافيا لبعده عن مخلوقاته؛ لاجتماع العلو والدنو في شيء واحد بهذا المعنى.
مخ ۳۲