قال أحمد: إن من شاهد من أهل هذه الصناعة عمل الصباغين، لا يستعظم الخلل يقع عليه فى عمله. فكثيرا ما يعالج الماهر فى صناعته صبغا من الأصباغ مرارا فيحدث عليه فى بعض الأوقات التى يعالجه فيها ما يغيره عن مراده وهو لا يعرف السبب فى ذلك مع كثرة معالجته للعمل وطول أيام مجاورته له. وقد يعمل الرجل الحبر دهره 〈و〉قلما يتفق أن يخرج على لون واحد وعمل واحد، لأنه ربما خرج قتما، وربما كان الغالب عليه اللون الشعاعى، وربما كان براقا لا صقال فيه، وربما كان صقيلا قتما — هذا ولا تعرف علته. فأما ما تعرف علته فالتحرز منه سهل. فإذا كان العمل القليل يحدث فيه من التفاوت مع طول الاستعمال ما يحدث، فكيف يظن بالعمل اللطيف المتجاوز لعمل الإنس! وإنما التفاوت الواقع فى الأصباغ والحبر من أجل الأمور المشتركة فيها: منها الزمان والهواء والوقت والمستولى، من الفلك والطالع، ومن الروحانيين ما يقصر عن كف غائلته مستعمل هذه الأصباغ:
قال أفلاطون: والكيان مع خفته واتصاله بالعلو ومداخلته للعمل فإنه لا يسلم عمله من الخبال والفساد.
وقال أحمد: إن الكيان هو الشىء الذى أنبأتك به وأعلمك أنه الروح المغذى المدبر للإنسان، ومنه تكون استحالة الأغذية وتوليد الحيوان وبه قوام الإنسان، وهو الجوهر المخالط لكل ذلك — فترى ما يحدث فى أفعاله من الفساد والبطلان. فإذا كان ذلك كذلك مع استمكانه ونفاذ قوته، فكيف يكون الإنسان المنقوص البطىء؟!
قال أفلاطون: واضبط الفساد من الأفقين إن يصل إلى العمل، وإلا فأكثر ليكون ما يسلم لك على التنجيب.
قال أحمد: الأفقان: أفق العلو الذى هو الفلك، وأفق السفل الذى هو الأرض، لأن الفساد واصل إلى جميع الأشياء من العلو والسفل والواسطة التى بينهما. فإذا قدر الإنسان على منع الفساد من مأتاه فقد أمن من فساد ما يعالج، وإن عجز فالصواب له امتثال قول الفيلسوف فى الإكثار من العمل كأنه يعمل أعمالا كثيرة فى مواضع شتى فى أوقات متفرقة ليسلم له أخذ ذلك، فإنه من البعيد الكون فساد الكل، كما يستحيل أن تبطل كل أفعال الكيان .
مخ ۱۶۸