قال أحمد: إن من يتفلسف من الأطباء يقول إن الشعر عصب امتد حتى علا البشرة، ويقول إن يبوسته من أجل الهواء المحيط، ويحتج فى ذلك بالتغاير الذى يحدث فى شعور أهل الأقاليم، لأن البلدان الشمالية ترطب فيها الشعور جدا، ولا نعدم فيه أكثر اللون اللحمى الأحمر، والبلدان الجنوبية يتفلفل فيها الشعر حتى يكون كأنه قد تشيط بالنار ويصير لونه نهاية فى السواد.
قال أفلاطون: فأول ما ينبغى أن يعرى مما خالطه من الهواء، ولا يكون ذلك دون أن يرطبه جدا.
قال أحمد: إن الشعر قد استمكن منه الجزء الهوائى مدة من الزمان حتى كاد لا يفارقه إلا بتعب ومزاولة شديدة، ويريد أفلاطون أن يرطب ترطيبا ينافر ما فيه من اليبوسة الهوائية حتى يعرى منه ويقرب من الاعتدال.
قال أفلاطون: والترطيب أيضا مما ينقى الجزء الدسم.
قال أحمد: إن أعظم ما يحتاج فيه فى تدبير الأعضاء نفى الدسومة، إذ هى وسخ معين للنار على إحراق الشىء فى ترطيبه على السبيل الذى بينه الفيلسوف فى ذلك الكتاب؛ فإنه يأتى فيه بالقول المقنع.
قال أفلاطون: والذى ينبغى أن يستعمل الأسود من الكامل — إلى أن قال: الأبيض خارج عن الاعتدال.
قال أحمد: يقصد الفيلسوف فى هذا القول ويأمر أن يستعمل الأسود من الكامل وهو شعر الرجل الذى قد قضى من عمره خمسا وعشرين سنة إلى ثلاثين سنة فإن الإنسان فى هذا الوقت داخل فى تدبير الشمس، وهو مما قد أخبرت أن الاستعانة به فى هذا الجنس منجح جدا. وقوله إن: «الأبيض خارج عن الاعتدال» فإن ذلك بين لمن قد سمع من العلوم أدناها: أن الشعر إنما يبيض لعارض فاسد وهو الكيموس العفن الخارج عن حد الاعتدال.
مخ ۱۴۱