وهكذا تبدأ هذه القطعة:
تأملت الحياة فوجدتها خداعا، والأمل يفتن الناس فيكرمون الخداع، والناس حمق تساورهم المقاصد في الحسرات والغوايات في الرغبات، فيتمادون في حماقتهم، ونحن لا نحيا، بل ننتظر الحياة في البلايا الحاضرة وفي أمل الملاذ، والغد، الغد، سيشفي غلتنا كما يقال، ويأتي الغد فيدعنا أكثر شقاء، واها! ما خطأ السعي الذي يفترسنا؟ لا أحد منا يريد أن يبدأ سيرة ثانية، ونحن نلعن الفجر منذ الساعة الأولى، ونحن لا نزال ننتظر من الليل الذي يأتي، ما وعدنا به أجمل أيامنا، إلخ.
وفي هذه القطع المفصولة برعت مآسي الإنكليز حتى الآن، وتشتمل مسرحياتهم التي ترى كلها غليظة مجردة من اللياقة والسياق، وظاهر الحق على بوارق عجيبة في سواء هذا الليل، ويبدو الأسلوب كثير المبالغة، كثير البعد من الطبيعة، كثير الاقتداء بكتاب العبريين المترعين بهرجا آسيويا، ولكن مما يجب الاعتراف به أيضا أن وسائل بهرج الأسلوب المجازي الذي تتعاظم به اللغة الإنكليزية يرفع النفس أيضا، وإن كان هذا بسير غير منتظم.
ومستر أديسن الشهير، هو أول من وضع مسرحية مناسبة ذات طلاوة من أولها إلى آخرها، ويعد «كاتون الاتيكي» من الروائع بيانا وجمال قريض، ويبدو لي أن دور كاتون أعلى من دور كرنلية في «بوني» كورناي؛ وذلك لأن كاتون عظيم من غير كبرياء؛ ولأن كرنلية التي لا ترى بطلة ضرورية في الرواية تميل إلى الهذر أحيانا. ويلوح لي أن كاتون مستر أديسن أروع بطل روائي في أي مسرح كان، ولكن مع عدم تناسب بينه وبين أدوار المسرحية الأخرى، وقد شوه هذا الأثر الحسن البيان بمكيدة حب باردة، أصابت المسرحية بذبول قاتل لها.
وقد أدخلت، حوالي سنة 1660 عادة إدخال الغرام من غير فطنة إلى الآثار الدرامية
1
وذلك من باريس إلى لندن، وذلك مع أوشحتنا وشعورنا المستعارة، وعاد النساء اللائي يزين المسارح، كما عندنا لا يطقن أن يخاطبن بغير الغرام، ومن مجاملة الحكيم أديسن الرقيقة أن أخضع شدة طبعه لعادات زمنه، فأفسد إحدى الروائع؛ لأنه أراد أن يروق.
وتغدو المسرحيات بعده أعظم انتظاما، والشعب أشد مراسا، والكتاب أكثر صحة وأقل جسارة، وقد شاهدت مسرحيات جديدة بالغة الحكمة، ولكن مع برودة، ويظهر أن الإنكليز لم يخلقوا حتى الآن إلا لينتجوا روائع غير محكمة، وتنال غيلان شكسبير اللامعة من الحظوة ما يزيد على ما تنال الحكمة الحديثة ألف مرة، وتشابه عبقرية الإنكليز الشعرية حتى الآن شجرة وارفة غرستها الطبيعة، فتخرج ألف غصن ذات اليمين وذات الشمال، وتنمو بقوة وعلى غير ترتيب، وهي تموت إذا ما أردتم قهر طبيعتها وتشذيبها على غرار شجر حدائق مارلي.
الرسالة التاسعة عشرة
حول الكميدية
ناپیژندل شوی مخ