إذا كان الآخر أشهر وأعرف، فلا ينفع أيضا، لأنه ليس بمعصوم، وبناء الكلام على الموافقة للأدلة واقعا، حتى يكون حيا وحجة دائما، على حسب ما قد عرفت، وإلا فعند العامي أن المجتهد قوله مأخوذ من الأدلة، فكيف يجعل تقليده موقوفا على الاستفصال؟!
فإن قلت: إذا كان عند العامي أن قول المجتهد مأخوذ عن الأدلة الشرعية، يعمل به وإن كان ميتا، إذ الموت والحياة لا مدخلية لهما في المأخوذية.
قلت: ليس الكلام في صحة كل فعل للعامي، بل فيما يصح للعامي أن يفعله، وإلا فالعامي يقلد العوام أيضا، حتى النساء بزعمه أنه عن الشرع وأنه حق.
فإن قلت: الأمر بالنسبة إلى العامي والمجتهد كما ذكرت، لكن العالم الفاضل الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد من جهة أنه لم يستحصل جميع شرائطه، يمكن له أن يعلم أن قول المجتهد موافق للدليل وقول آخر غير موافق له، فيقلد الأول دائما ولا يقلد الآخر دائما.
قلت: مثل هذا العالم إن كان معتقدا لعدم جواز الاجتهاد والفتوى ما لم يجتمع شرائط الفتوى جميعا، لا جرم يكون عارفا بأن اعتبار تلك الشرائط ليس إلا لأجل صحة الفهم وصوابيته والاحتراز عن الخطأ، وأن مع عدم تلك الشرائط واستجماعها لا اعتداد بذلك الفهم، ولا وثوق ولا اعتماد، ومع ذلك يكون الاعتماد عليه حراما البتة، مع أنه يعتقد أنه غير مستجمع لجميع تلك الشرائط، ولأجل ذلك يقلد ولا يجتهد، ومع ذلك يعتقد أن المجتهدين اللذين هو يصير حكما بينهما كليهما مستجمعان لجميع تلك الشرائط.
ومع جميع ذلك كيف يتأتى له أن يحكم بأن مجتهدا مصيب واقعا ومجتهدا
مخ ۲۱