ثم يتخذ أربعة أوتار بعضها أغلظ من بعض على النسبة الأفضل، وهو أن يكون غلظ البم مثل غلظ المثلث ومثل ثلثه، وغلظ المثلث مثل غلظ المثنى ومثل ثلثه، وغلظ المثنى مثل غلظ الزير ومثل ثلثه، وهو أن يكون البم أربعة وستين طاقة إبريسم، والمثلث ثمانيا وأربعين طاقة، والمثنى ستا وثلاثين طاقة، والزير سبعا وعشرين طاقة إبريسم، ثم تمد هذه الأوتار الأربعة على وجه العود مشدودة أسفالها في المشط، ورءوسها في الملاوي فوق عنق العود، فعند ذلك تكون أطوالها متساوية وهي في دقتها وغلظها مختلفة على هذه النسبة «سد مح لوكز».
ثم يقسم طول الوتر الواحد بأربعة أقسام متساوية ويشد دستان الخنصر عند الثلاثة الأرباع مما يلي عنق العود، ثم يقسم طول الوتر من الرأس بتسعة أقسام متساوية، ويشد دستان السبابة على التسع مما يلي عنق العود، ثم يقسم طول الوتر عند دستان السبابة إلى المشط بتسعة أقسام متساوية ويشد دستان البنصر على التسع منه، فإنه يقع فوق دستان الخنصر مما يلي دستان السبابة.
ثم يقسم طول الوتر عند دستان الخنصر مما يلي المشط بثمانية أقسام، ويزاد عليها هذا الدستان، أعني: دستان الوسطى يشد بحيال نقطة من الوتر بينها وبين دستان الخنصر ثمن ما بين الخنصر إلى المشط، فيصير نسبة نغمة الوسطى هذه إلى نغمة الخنصر مثلها، فما بقي من الوتر فوق، ويشد عند ذلك دستان الوسطى، فإنه يقع فيما بين دستان السبابة والبنصر، فهذا هو إصلاح العود ونسب الأوتار ومواضع الدساتين.
فأما كيفية إصلاح النغم ومعرفة ما يكون بينها من النسب، فهو أن يمد الزير ويحزق بحسب ما يحتمل أن لا ينقطع، ثم يمد المثنى فوق الزير ويحزق ثم يزم بالخنصر وينقر مع مطلق الزير، فإذا سمعت نغمتاهما متساويتين فقد استويا، وإلا يزاد في حزق المثنى وإرخائه حتى يستويا، ثم يمد المثلث ويحزق ويزم بالخنصر وينقر مع مطلق المثنى حتى تسمع نغمتاهما متساويتين، وإلا يزاد في الحزق والإرخاء حتى يستويا ويسمع نغمتاهما كأنهما نغمة واحدة. ثم يمد المثلث ويحزق ويزم بالخنصر، وينقر مع مطلق المثنى حتى يسمع نغمتاهما متساويتين كأنهما نغمة واحدة.
ثم يمد البم ويحزق ويزم بالخنصر، وينقر مع مطلق المثلث، فإذا سمعت نغمتاهما متساويتين كأنهما نغمة واحدة فقد استويا، وإذا استوت هذه الأوتار على هذا الوصف وجدت نغمة مطلق كل وتر بالإضافة إلى نغمة مزمومة بالخنصر مثله ومثل ثلثه في الغلظ والثقل، ويوجد أيضا نغمة كل وتر مزموم بالخنصر مثل نغمة الوتر الذي تحته مطبقا بالسواء، أيضا نغمة مطلق كل وتر مثل نغمة مزمومة بالسبابة ومثل ثلثه سواء.
ويوجد أيضا نغمة مطلق كل وتر ضعف نغمة الوتر الذي تحته وهو الثالث منه مزموما بالسبابة، ويوجد أيضا نغمة سبابة كل وتر منه مثل نغمة بنصره ومثل ثمنه سواء، ويوجد أيضا نغمة وسطى كل وتر مثل نغمة خنصره ومثل ثمنه سواء.
وبالجملة: ما من وتر ولا دستان من هذه الأوتار والدساتين إلا ولنغماتها نسبة بعضها إلى بعض، ولكن منها ما هي فاضلة شريفة، ومنها ما دون ذلك، فمن النسب الفاضلة الشريفة أن تكون النغمة مثل الأخرى سواء، وتكون النغمة الغليظة مثل الحادة ومثل ثلثها ومثل نصفها أو مثلها ومثل ربعها أو مثلها ومثل ثمنها.
فإذا استوت هذه الأوتار على هذه النسب الفاضلة وحركت حركات متواترة متناسبة؛ حدث عند ذلك منها نغمات متواترة متناسبة، حادات، خفيفات وثقيلات غليظات، فإذا ألفت ضروبا من التأليفات - كما تقدم ذكرها في فصل قبل هذا - وصارت النغمات الغليظات الثقال للنغمات الحادات الخفاف كالأجساد وهي لها كالأرواح، واتحد بعضها ببعض وامتزجت وصارت ألحانا وغناء؛ كانت نقرات تلك الأوتار عند ذلك بمنزلة الأقلام، والنغمات الحادات منها بمنزلة الحروف، والألحان بمنزلة الكلمات، والغناء بمنزلة الأقاويل، والهواء الحامل لها بمنزلة القراطيس، والمعاني المتضمنة في تلك النغمات والألحان بمنزلة الأرواح المستودعة في الأجساد.
فإذا وصلت المعاني المتضمنة في تلك النغمات والألحان إلى المسامع؛ استلذت بها الطباع، وفرحت فيها الأرواح وسرت بها النفوس؛ لأن تلك الحركات والسكونات التي تكون بينها تصير عند ذلك مكيالا للأزمان وأذرعا لها، ومحاكية لحركات الأشخاص الفلكية، كما أن حركات الكواكب والأفلاك المتصلات المتناسبات هي أيضا مكيال للدهور وأذرع لها، فإذا كيل بها الزمان كيلا متساويا متناسبا معتدلا؛ كانت نغماتها مماثلة لنغمات حركات الأفلاك والكواكب ومناسبة لها، فعند ذلك تذكرت النفوس الجزئية التي في عالم الكون والفساد سرور عالم الأفلاك ولذات النفوس التي هناك، وعلمت وتبين لها بأنها في أحسن الأحوال وأطيب اللذات وأدوم السرور؛ لأن تلك النغمات هي أصفى وتلك الألحان أطيب؛ لأن تلك الأجسام أحسن تركيبا وأجود هنداما وأصفى جوهرا، وحركاتها أحسن نظاما ومناسباتها أجود تأليفا.
فإذا علمت النفس الجزئية التي في عالم الكون والفساد أحوال عالم الأفلاك وتيقنت حقيقة ما وصفنا؛ تشوقت عند ذلك إلى الصعود إلى هناك واللحوق بأبناء جنسها من النفوس الناجية في الأزمان الماضية، من الأمم الخالية.
ناپیژندل شوی مخ