واعلم يا أخي أن الشمس من بين الكواكب كالملك، وسائرها كالأعوان والجنود في التمثيل، والقمر كالوزير وولي العهد، وعطارد كالكاتب، والمريخ كصاحب الجيش، والمشتري كالقاضي، وزحل كصاحب الخزائن، والزهرة كالجواري والخدم، والأفلاك لها كالأقاليم، والبروج كالبلدان والسوادات والحدود والوجوه كالمدن، والدرجات كالقرى، والدقائق كالمحال والأسواق في المدن والثواني في الدقائق كالمنازل في المحال والدكاكين في الأسواق، والكواكب في البروج كالأرواح في الأجساد، والكوكب في بيته كالرجل في بلده وعشيرته، والكوكب في شرفه كالرجل في عزه وسلطانه، والكوكب في مثلثه كالرجل في منزله أو دكانه أو ضيعته، والكوكب في وجهه كالرجل في زيه ولباسه، والكوكب في حده كالرجل في خلقه وسجيته، والكوكب في أوجه كالرجل في أعلى مرتبته، والكوكب في حيزه كالرجل في حاله اللائقة به وفي أصحابه ورفقائه.
والكوكب في وباله كالرجل المختلف المدبر، والكوكب في غير حيزه كالرجل في حال منكر، والكوكب في برج لا حظ له فيه كالرجل الغريب في بلدة غريبة، والكوكب في هبوطه كالرجل الذليل المهين، والكوكب في حضيضه كالرجل الوضيع الحال الساقط عن مرتبته، والكوكب تحت الشعاع كالبطل المحبوس، والمحترق كالمريض، والواقف كالمتحير في أمره، والراجع كالعاصي المخالف، والسريع السير كالمقبل الصحيح، والبطيء السير كالضعيف الذاهب القوة، والكوكب في التشريق كالرجل النشيط، والكوكب في التغريب كالهرم.
والناظر كالطالع الذاهب نحو حاجته، والمنصرف كقاضي وطره، والمقترنان من الكواكب كالقرينين من الناس، والكوكب في الوتد كالرجل الحاضر للشيء الحاصل فيه، ومائل الوتد كالجاني المنتظر، والزائل كالذاهب أو الفائت، والكوكب في الطالع كالمولود في الظهور أو الشيء في الكون، وفي الثاني كالمنتظر الذي سيكون، وفي الثالث كالذاهب إلى لقاء الإخوان، وفي الرابع كالرجل في دار آبائه أو الشيء في معدنه، وفي الخامس كالرجل المستعد للتجارة أو الفرحان بما يرجو، وفي السادس كالهارب المنهزم المتعوب، وفي السابع كالرجل المبارز المنازع المحارب، وفي الثامن كالرجل الخائف الوجل، وفي التاسع كالرجل المسافر البعيد من الوطن الزائل من سلطانه، وفي العاشر كالرجل في عمله وسلطانه المعروف المشهور به، وفي الحادي عشر كالرجل الواد الموافق المحب، وفي الثاني عشر كالمحبوس الكاره لموضعه المبغض لما هو فيه.
وإذا توارى كوكبان منها في درجة من الفلك فيقال: إنهما مقترنان، وإذا جاوز أحدهما الآخر فيقال: قد انصرف، وإذا لحق بالآخر فيقال: قد اتصل به، والاتصال قد يكون بالمقارنة وقد يكون بالنظر، وهو أن يكون بينهما ستون درجة سدس الفلك أو تسعون درجة ربع الفلك أو مائة وعشرون درجة ثلث الفلك، أو مائة وثمانون درجة نصف الفلك، فإذا تناظرا في التسديس فهما كالرجلين المتوادين بسبب من الأسباب، وإذا تناظرا في التثليث فهما كالرجلين المتفقين في الطبع والخلق، وإذا تناظرا في التربيع فكالرجلين المتعاملين اللذين يدعي كل واحد منهما الأمر لنفسه، وإذا تناظرا في المقابلة فهما كالرجلين المتنازعين أو كالشريكين المتغارمين، وهذا مثاله وصورته:

فقد تبين بهذه الصورة أن مناظرة الكواكب بعضها إلى بعض من سبعة مواضع من درجات الفلك ومعنى مناظراتها ومطارح شعاعاتها.
واعلم أن الكواكب تطرح شعاعاتها إلى جميع درجات الفلك فتضيئها وتملأها نورا وضياء، كما أن السراج يضيء جميع أجزاء الدائرة وبسيطها، وإنما ذكر علماء النجوم سبعة مواضع منها لظهور أفعالها وبيان تأثيراتها في هذا العالم من تلك الدرجات المعلومة لمناسبات بعضها بعضا؛ لأن أفعال الكواكب وتأثيراتها في هذا العالم إنما هي بحسب مناسباتها من الأرض؛ أعني: نسب أجرامها إلى جرم الأرض وأبعادها من مركز الأرض، أو بحسب تناسب حركاتها بعضها إلى بعض، وقد بينا طرفا من علم هذا النسب في رسالة الموسيقى.
(14) فصل في أن المنجم لا يدعي علم الغيب فيما يخبر به من الكائنات
واعلم أن كثيرا من الناس يظنون أن علم أحكام النجوم هو ادعاء الغيب، وليس الأمر كما ظنوا؛ لأن علم الغيب هو أن يعلم ما يكون بلا استدلال ولا علل ولا سبب من الأسباب، وهذا لا يعلمه أحد من الخلق، كذلك لا منجم ولا كاهن ولا نبي من الأنبياء ولا ملك من الملائكة إلا الله - عز وجل.
واعلم يا أخي أن معلومات الإنسان ثلاثة أنواع، فمنها ما قد كان وانقضى ومضى مع الزمان الماضي، ومنها ما هو كائن موجود في الوقت الحاضر، ومنها ما سيكون في الزمان المستقبل، وله إلى هذه الأنواع الثلاثة من المعلومات ثلاثة طرق؛ أحدها السماع والإخبار لما كان ومضى، والآخر هو الإحساس لما هو حاضر موجود، والثالث الاستدلال على ما هو كائن في المستقبل، وهذا الطريق الثالث ألطف الطرقات وأدقها، وهو ينقسم إلى عدة أنواع؛ فمنها بالنجوم، ومنها بالزجر والفأل والكهانة، ومنها بالفكر والروية والاعتبار، ومنها بتأويل المنامات، ومنها بالخواطر والوحي والإلهام، وهذا أجلها وأشرفها، وليس ذلك باكتساب، ولكن موهبة من الله - عز اسمه - لمن شاء أن يجتبيه من عباده، فأما علم النجوم فهو اكتساب من الإنسان وتكلف وجهد واجتهاد في تعلم العلم وطلبه، وهكذا الزجر والفأل، والنظر في الكف وضرب الحصى والكهانة والقيافة والعرافة وتأويل المنامات وما شاكلها؛ كلها يحتاج الإنسان فيها إلى التعلم والنظر والفكر والروية والاعتبار، وهذا الفن من العلم يتفاضل فيه الناس بعضهم على بعض، وكل واحد يختص بشيء منه.
ناپیژندل شوی مخ