لیکونه اخوان الصفاء او دوستانو د وفا
رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء
ژانرونه
واعلم يا أخي بأنه لما كانت طرق العلوم والمعارف والاستشعار والإحساس كثيرة، كما بينا بعضها في رسالة الحاس والمحسوس، وبعضها في رسالة العقل والمعقول، وبعضها في رسالة أجناس العلوم، وكانت الطرق التي سلكها الفلاسفة منها في التعاليم وطلبهم معرفة حقائق الأشياء أربعة أنواع، وهي التقسيم والتحليل والحدود والبرهان؛ احتجنا أن نذكر واحدا واحدا منها، ونبين كيفية المسلك فيها، وأن المعلومات كيف تعرف بها، ولم هي أربع طرق لا أقل ولا أكثر.
أما علة ذلك فإنه لما استبان واتضح في قاطيغورياس بطريق القسمة أن الموجودات كلها ليست تخلو أن تكون أجناسا وأنواعا وفصولا وأشخاصا؛ وجب ضرورة أن تكون طريق المعرفة بكل واحد منها غير الأخرى؛ بيان ذلك أنه بالقسمة تعرف حقيقة الأجناس من الأنواع، والأنواع من الأشخاص، وبالتحليل تعرف حقيقة الأشخاص؛ أعني: كل واحد منها من ماذا هو مركب، ومن أي الأشياء هو مؤلف، وإلى ماذا ينحل.
وبالحدود تعرف حقيقة الأنواع من أي الأجناس كل واحد منها، وبكم فصل يمتاز عن غيره، وبالبرهان تعرف حقيقة الأجناس التي هي أعيان كليات معقولات، كما سنبين بعد هذا الفصل، فنريد أن نشرح أولا طريق التحليل في هذا الفصل؛ إذ قد فرغنا من طريق القسمة في قاطيغورياس، ولعلة أخرى أيضا أن طريق التحليل أقرب إلى أفهام المتعلمين؛ لأنها طريق يعرف بها حقيقة الأشخاص، والأشخاص هي أمور جزئية محسوسة، كما سنبين بعد هذا الفصل.
وأما طريق الحدود وطريق البرهان فهما أدق وألطف وإنما يعرف بهما الأشياء المعقولة وهي الأنواع والأجناس.
(1) فصل في طريق التحليل والحدود والبرهان
واعلم بأن معنى قولنا: الشخص إنما هو إشارة إلى جملة مجموعة من أشياء شتى أو مؤلفة من أجزاء عدة منفردة متميزة عن غيرها من الموجودات، والأشخاص نوعان ، فمنها مجموع من أجزاء متشابهة مثل هذه السبيكة وهذا الحجر وهذه الخشبة وما شاكل ذلك من الأشخاص التي أجزاؤها كلها من جوهر واحد، ومنها أشخاص مجموعة من أجزاء مختلفة الجواهر، متغايرة الأعراض مثل هذا الجسد وهذه الشجرة وهذه المدينة وما شاكل ذلك من المجموعات من أشياء شتى، فإذا أردنا أن نعرف حقيقة شخص من هذه الأشخاص نظرنا أولا إلى الأشياء التي هي مركبة منها، ما هي، وبحثنا عن الأجزاء التي هي مؤلفة منها: كم هي.
واعلم يا أخي بأن الأشياء المركبة كثيرة الأنواع، لا يحصي عددها إلا الله - عز وجل - ولكن يجمعها كلها ثلاثة أجناس، إما أن تكون جسمانية طبيعية، أو جرمانية صناعية، أو نفسانية روحانية، فنريد أن نذكر من كل جنس منها مثالا واحدا؛ لكي ما يقاس عليه سائرها.
فمن الأشخاص الجسمانية الطبيعية جسد الإنسان، فإنه جملة مجموعة مؤلفة من أعضاء مختلفة الأشكال كالرأس واليدين والرجلين والرقبة والصدر وما شاكلها، وكل عضو منها أيضا مركب من أجزاء مختلفة الجواهر والأعراض كالعظم والعصب والعروق واللحم والجلد وما شاكلها، وكل واحد منها مكون من الأخلاط الأربعة، وكل واحد من الأخلاط له مزاج من الكيموس، والكيموس من صفو الغذاء، والغذاء من لب النبات، والنبات من لطائف الأركان، والأركان من الجسم المطلق بما يخصها من الأوصاف، والجسم مؤلف من الهيولى والصورة، وهما البسيطان الأولان والجسد هو المركب الأخير. وأما سائرها فبسائط ومركبات بالإضافة.
ومثال آخر من الجرمانية الصناعية، وهو قولنا: المدينة، فإنا نشير به إلى جملة من أسواق ومحال، وكل واحد منها جملة من منازل ودور وحوانيت، وكل واحد منها مؤلف ومركب من حيطان وسقوف، وكل واحد منها أيضا مركب من الجص والآجر والخشب وما شاكل ذلك، وكلها من الأركان، والأركان من الجسم والجسم من الهيولى والصورة.
ومثال آخر من الروحاني والنفساني، وهو قولنا: الغناء؛ إشارة إلى ألحان مؤتلفة، واللحن مؤلف من نغمات متناسبة وأبيات متزنة، والأبيات مؤلفة من المفاعيل، والمفاعيل من الأوتاد والأسباب، وكل واحد منهما أيضا مؤلف من حروف متحركات وسواكن ، وإنما يعرف هذه الأشياء صاحب العروض ومن ينظر في النسب الموسيقية، وعلى هذه المثالات يعتبر طريق التحليل حتى يتضح أن الأشياء المركبة من ماذا هي مركبة ومؤلفة، فعند ذلك يعرف حقيقتها.
ناپیژندل شوی مخ