لیکونه اخوان الصفاء او دوستانو د وفا
رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء
ژانرونه
واعلم يا أخي بأن الآخرة أفضل من الدنيا، وأهلها أفضل من أهل الدنيا، وأخلاقهم أكرم من أخلاقهم، وسيرتهم أعدل من سيرهم، ومراتبهم أشرف ونعيمهم أدوم وسرورهم أبقى، ولذاتهم أخلص، فانظر الآن على ما يقع اختيارك وكيف يكون ولأيهما تعمل؟ ولا يكن إيثارك - إن كنت عاقلا - إلا للآخرة؛ فقد تبين لك الرشد من الغي، وعرفت الضلالة من الهدى، وميزت الصواب من الخطأ، وعلمت الحق من الباطل، وانزاحت العلة، وقد أعذر من أنذر ، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة؛ ولئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
فانظر الآن يا أخي إن كان لم يتبين لك بعد ما قد شرحناه من هذه الأوصاف، ولم ينبهك من نوم الغفلة ورقدة الجهالة ما خولناك، ولم يشفك ما ذكرناه ولم ينفعك ما وصفناه، فأبيت إلا التغمد والغمرة في طغيان أبناء الدنيا المغرورين بها، الغافلين عن الآخرة الجاهلين لها، بأن تقول: لا بد لي من الاقتداء بهم ومداخلتهم فيما هم فيه من الغرور ومزاحمتهم على ما هم مزدحمون عليه، ورضيت لنفسك بالتشبه بهم في سوء أخلاقهم، وتراكم جهالاتهم وفساد آرائهم وسوء أعمالهم وقبيح أفعالهم وسيرتهم الجائرة وأمورهم المسيئة وأحوالهم المتغايرة وتصاريفهم المختلفة وأسبابهم المتضادة، من عداوة بعضهم بعضا وحسد بعضهم بعضا وبغي بعضهم على بعض، وتكبرهم وتكاثرهم وتفاخرهم فيما هم فيه من أمور هذه الدنيا الدنية والاغترار بها، وما يتكلفونه بينهم من زخرف القول غرورا، ويتمكنون به من الكلام خداعا وقلوبهم مملوءة غشا وغلا وحسدا وكبرا وحرصا وطمعا وبغضا وعداوة ومكرا وحيلا، مثل قوم دينهم التعصب واعتقادهم النفاق وأعمالهم الرياء، واختيارهم شهوات الدنيا، يتمنون الخلود فيها مع علمهم بأنه لا سبيل إليه، يجمعون ما لا يأكلون، ويبنون ما لا يسكنون، ويؤملون ما لا يدركون، ويكسبون من الحرام، وينفقون في المعاصي، ويمنعون من المعروف، ويركبون كل منكر سكارى متمردون في طغيانهم يعمهون، لا يسمعون النداء، ولا يبصرون الهدى، ولا ينجع فيهم الوعظ ولا الذكر ولا الأمر ولا النهي ولا الوعد ولا الوعيد ولا الترغيب ولا الترهيب ولا الزجر ولا التهديد، بل تراهم في غيهم يترددون، وفي طغيانهم يعمهون، مولون مدبرون عن الآخرة معرضون، على الدنيا يتكالبون تكالب الكلاب على الجيفة، منهمكين في الشهوات، تاركين للصلوات، لا يسمعون الموعظة، ولا تنفعهم التذكرة، فلا جرم أنهم يمهلون قليلا ويمتعون يسيرا، ثم تجيئهم سكرة الموت بالحق، إن شاءوا أو أبوا، فيفارقون محبوباتهم على رغم منهم، ويتركون ما جمعوا لغيرهم ، يتمتع بمال أحدهم حليل زوجه وامرأة ابنه وبعل ابنته وصاحب ميراثه، لهم المهنأة وعليه الوبال ثقيل ظهره بأوزاره، معذب النفس بما كسبت يداه، يا حسرة عليهم قامت القيامة على أهلها، وفقك الله أيها الأخ للسداد، وهداك للرشاد وجميع إخواننا حيث كانوا في البلاد، إنه رءوف بالعباد.
(تمت رسالة الأخلاق والحمد لله والصلاة على رسوله مستنبط ينابيع الحكمة بصفاء جوهره، والمقارع به أنوف الجاحدين لأوله ومصدره، والمفصح عن غرائبه وعلى آله وسلم، حسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.)
الرسالة العاشرة في إيساغوجي
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أنه لما كان الإنسان أفضل الموجودات التي تحت فلك القمر، وكان من فضيلته العلوم والصنائع، وكان النطق من أفضل الصنائع البشرية؛ أردنا أن نبين ماهية النطق وكميته وكيفيته؛ إذ كان به ينفصل الإنسان عن سائر الحيوانات، كما يقال في حده: إنه حي مناطق مائت؛ لأن سائر الحيوانات كلها أحياء مائتون غير ناطقين، وأيضا فإن النطق من سائر الصنائع البشرية إلى الروحانية ما هو أقرب، وذلك أن سائر الصنائع الموضوع فيها الأجسام الطبيعية موضوعاتها كلها جواهر جسمانية - كما بينا في رسالة الصنائع.
فأما النطق فإن الموضوع فيه جواهر النفس الجزئية الحية وتأثيراته فيها روحانية؛ مثل الوعد والوعيد والترغيب والترهيب والمديح والهجاء، والدليل على ذلك ما يتبين لنا من تأثيرات الكلام في النفوس؛ مثل ما يرى من تأثيرات الأجسام بعضها في بعض.
وذلك أن تأثيرات الأجسام بعضها في بعض نوعان: مفسد ومصلح، فالمصلح مثل الطعام والشراب المصلحين لأجساد الحيوانات، ومثل العقاقير والأدوية المصلحة لأجساد المرضى، والمفسد مثل النار المهلكة لأجساد الحيوانات وأجساد النبات، ومثل الضرب بالسيف والسكين وما شاكله من الأجساد المفسدة المهلكة لأجسام الحيوانات، فكذا حكم الكلام والأقاويل في النفوس نوعان: مصلح ومفسد، فالمصلح كالمديح والثناء الجميل الباعثين للنفوس على مكارم الأخلاق، ومثل المواعظ والمواعيد الزاجرين للنفوس عن الأفعال القبيحة وعن مساوئ الأخلاق، والمفسد من الكلام للنفوس كالشتيمة والتهديد والقبيح من الأقاويل الجالبة إلى النفوس العداوة والبغضاء، كما يقال: رب كلمة جلبت فتنة وحروبا، كما قيل في المثل: إن سبب العداوة بين الغربان والبوم كلمة تكلم بها الغراب يوم اجتماع الطير على تمليك البوم، ورب كلمة أطفأت نيران الحروب - كما قيل في قصيدة:
لفظ يثبت في النفوس مهابة
يكفي كفاية قائد القواد لا تبلغ الأسياف باستهلاكها
ما تبلغ الأقلام بالإيعاد
ناپیژندل شوی مخ