============================================================
الصدق والوفاء، وصار قلبه مقيدا بقيد القرب والنجوى، فعند ذلك يجول هذا العبد بالنفس في ميدان حسن الرياضة والرعاية، ويجول بالروح في ميدان رؤية المنة، ويجول القلب في ميدان القرب والمشاهدة، فصارت النف مقهورة تحت سلطان عقله وصار الروح مدهوشأتحت جلال هيبته، وصار القلب مزينا تحت جمال ربوبيته، فحينتذ يقوم هذا العبد بشكره وشكر شكره، ويصير بالكلية مستغرقا في أبحر ذكره، ويجول بالسر في منتهى عزه، ويرتع في روضات قدسه، ويطير بجناح الهمة في سرادقات غيبه، ويجول في ميادين قدرته، ويسبح في بحار هويته.
ولو أن أهل الغفلة اطلعوا على قلوب القاصدين إليه عند أوقات جولانها، في حجب الغيوب وعند طيرانها في سرادقات الجبروت لماتوا حسرة من حرمان هذه النعمة، وإن جميع الذين وقعوا في الضلالات ما وقعوا إلا لتوهمهم في مراتب الأولياء والأصفياء الذين جعلهم الله آية للعالمين، وهم الذين لا يعرفهم إلا من جعل الله سبحانه وتعالى له نورا في سراج الديمومة، فمن لم يجعل الله له ذلك التور فماله من نور: فكل من أراد أن يكون أهلا لمقصوده والوصول إلى قربه، فينبغي له أن يراعي نفسه في مراعى القيام لله تعالى بطاعته على متابعة الكتاب والسنة(1) من غير أن يفتر على ذكره وخدمته طرفة عين وأن يراعى روحه في مراعى لطائف الحضرات، ودقائق (1) الواقع أن كلام الإمام الجنيد هنا في غاية الأهمية، ويدل دلالة كبيرة على أن مرجعية الإمام تتمثل في القرآن والسنة، ومن ثم كان نشاة التصوف إسلاميا، وليس كما يعتقد بعض المستشرقين ومن على شاكلتهم أنه تاثر بمصادر اجنبية حيث يقول: فكل من أراد أن يكون اهلا لمقصوده والوصول إلى قربه فيتبغي له أن يراعى نفسه في مراعى القيام لله تعالى بطاعته على متابعة القرآن والسنة ويقول أيضا: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى اثر الرسول واتبع سنته ولزم طريقته حلية الاولياء، 10، ص: 257. وفي ظننا أن ما ذهب إليه الامام الجنيد يمثل في نظرنا التصوف الصحيح، وهذا ما آشار إليه الصوفية في قولهم: الكشف الحق هو الذي لا يعارض الكشاب والسنة، والمريد الصادق هو الذي يدع الكشف ويتمسك بالكتاب والسنة، والله سبحانه وتعالى ضمن للأنسان من العصمة في الكتاب والسنة، ولم يضمنها عن طريق الكشف والالهام ولا الروى ولا المشاهدة، وإذالم يوافت الكشف الشريعة فلا يتبغي العمل به، وهذا رأي الصوفية. وقال أبو علي الجوزجاني: كن صاحب استقامة لا صاحب كرامة، فان نفسك متحركة في طلب الكرامة وربك يطلبك بالاستقامة ابن خلدون: شفاء الساثل، ص: 22 وانظر : د. حسن الشرقاوي: معجم الفاظ الصوفية، ص: 242.
وانظر أيضا دراستنا: التصوف عند اين خلدون، التاشر دار العلم بالفيوم، ص: 37.
مخ ۶۵