واصفر وجه الملك من الغضب، وأحس بالحقد والقهر، وتساءل: كيف يدعو الشعب الذي يحيي زعماء المعصايو ويهتف للسلام إلى محاربة المعصايو؟! ولبث ينتظر القادمين غاضبا حزينا كئيبا.
وأعلن ضابط من الحرس قدوم الزعماء، وفتح الباب على مصراعيه، ودخل الوفد يتقدمه رئيسه وكانوا عشرة، ضخام الأجسام، عرايا إلا من وزرة تستر الوسط، وعلى رءوسهم هالات من أوراق الشجر، وقد سجدوا جميعا على الأرض، وتقدموا زحفا حتى بلغوا عتبة العرش، فقبلوا الأرض بين يدي فرعون، ومد لهم الملك صولجانه فلثموه في خشوع، وأذن لهم بالوقوف فوقفوا في تهيب، وقال رئيسهم باللهجة المصرية: أيها الرب المعبود، فرعون مصر، وسيد الوادي، ومعبود القبائل، جئنا إلى رحابك لنقدم لك آي الخضوع والذل والحمد على ما أوليتنا من آلاء ونعم؛ فبفضل رحمتك تناولنا الطعام شهيا، وشربنا الماء حلوا سائغا.
فباركهم الملك برفع يده.
وكانت الوجوه متجهة إليه كأنها تضرع إليه أن يسألهم عما يقال عن بلادهم، فقال الملك المقهور: من أي العشائر أنتم؟
فقال الرجل: أيها البهاء المعبود، نحن زعماء قبائل المعصايو الداعية لبهائك بالمجد.
وصمت الملك قليلا، وأبى أن يسألهم عن أتباعهم شيئا، وضاق بالمكان وبمن فيه، فقال: إن فرعون يشكركم أيها العبيد المخلصون ويبارككم.
وقدم صولجانه فلثموه مرة أخرى، وكروا راجعين، تكاد تمس الأرض جباههم.
والتهب الغضب في قلب الملك، وأحس إحساسا باطنيا أليما بأن الكهنة الماثلين أمامه، وجهوا إليه ضربة قاتلة في معركة خفية، لا يعلم بها سواه وسواهم، فاشتد عليه الحنق، وفاض به الغيظ، وثار على هزيمته، وقال بصوت شديد النبرات: لدي رسالة لا يرتقي الشك إليها، وسواء أكانت القبائل الثائرة تتبع هؤلاء الزعماء أم لا تتبعهم، فالأمر الذي لا شك فيه هو أنه توجد ثورة ويوجد متمردون وأن جنودنا الآن محاصرون!
فعاودت الحماسة الحكام، وقال حاكم طيبة: مولاي .. لقد جرت الحكمة الإلهية على لسانك، إن إخواننا ينتظرون النجدة، فلا يجوز أن نضيع الوقت في مناقشات، والحق أبلج واضح.
فقال الملك بعنف: أيها الحكام، إني أعفيكم من الاشتراك اليوم في الاحتفال بعيد النيل؛ فأمامكم واجب أسمى. ارجعوا إلى أقاليمكم واحشدوا الجند؛ فرب دقيقة تضيع تكلفنا غاليا.
ناپیژندل شوی مخ