89

وجاء يوم عيد النيل، واستقبلت آبو المحتفلين من أقاصي الجنوب والشمال، وتعالت في جوها الأناشيد، وازينت دورها بالأعلام والأزهار وأغصان الزيتون، واستقبل الرجال من الكهنة والحكام شروق الشمس في طريقهم إلى القصر الفرعوني، لينتظموا في الموكب الملكي العظيم الذي يغادر القصر حين الضحى.

وبينما كان السادة ينتظرون نزول الملك في إحدى الحجرات دخل عليهم أحد الحجاب، وحياهم باسم الملك، وقال بصوت جهوري: أيها السادة الأجلاء، إن فرعون يريد أن يجتمع بكم في الحال، فتفضلوا بالذهاب إلى البهو الفرعوني.

وتلقى الجميع تصريح الحاجب بدهشة غير خافية؛ لأن العادة جرت بأن يستقبل الملك رجال مملكته بعد الاحتفال بالعيد لا قبل ذلك، فبدت الحيرة على الوجوه وتساءل القوم: ترى أي أمر خطير دعا إلى هذا الاجتماع الخارق للتقاليد؟!

ولكنهم لبوا الدعوة طائعين، وذهبوا إلى بهو الاستقبال ذي الجلال والروعة. واحتل الكهنة مقاعد الجانب الأيمن، وجلس الحكام قبالتهم، وكان يتصدر المكان العرش الفرعوني، وسط جناحين من الكراسي أعدت للأمراء والوزراء.

وما لبثوا قليلا حتى دخل الوزراء يتقدمهم سوفخاتب، وتبعهم بعد حين أمراء البيت المالك، فجلسوا إلى يمين العرش وهم يردون تحيات الرجال الذين وقفوا تحية لهم.

وساد الصمت وبدا الجد والاهتمام على الوجوه، وخلا كل إلى أفكاره يسائلها عن الأسباب التي دعت إلى هذا الاجتماع الهام، حتى قطع عليهم أفكارهم دخول حامل الأختام، فتطلعوا إليه في انتباه شامل، وقد صاح الرجل بصوت جهوري يعلن مجيء الملك: فرعون مصر نور الشمس، وظل رع على الأرض، صاحب الجلالة مرنرع الثاني.

فهب الجميع وقوفا وأحنوا الهامات، حتى كادت تمس الأرض الجباه، وجاء الملك يسير في جلال ومهابة، يتبعه على الأثر قائد الحرس طاهو، وحامل الأختام، وكبير حجاب الأمير كارفنرو حاكم النوبة، وجلس على العرش، ثم قال بصوت مهيب: أحييكم أيها الكهنة والحكام وآذن لكم بالجلوس.

فاعتدلت القامات المنحنية في رفق، وجلس الرجال وسط صمت شامل عميق يجعل من التنفس مجازفة خطيرة، واتجهت الأنظار إلى صاحب العرش تواقة إلى استماع كلمته. واعتدل الملك في جلسته، ثم قال وهو يقلب عينيه في وجوه القوم دون أن تستقر على أحد: أيها الأمراء والوزراء والكهنة والحكام، من صفوة رجال مصر العليا والسفلى، لقد دعوتكم لأشاوركم في أمر خطير يتعلق بسلامة المملكة ومجد الآباء والأجداد. أيها السادة: لقد جاء رسول من الجنوب هو هامانا كبير حجاب الأمير كارفنرو يحمل رسالة خطيرة من مولاه، فرأيت أن واجبي يقضي علي بأن أدعوكم دون إمهال، للاطلاع عليها، والمشاورة في محتوياتها الخطيرة.

والتفت فرعون إلى الرسول وأشار إليه بصولجانه، فتقدم الرجل خطوتين فصار في حذاء العرش، وقال له فرعون: اتل عليهم الرسالة.

فبسط الرجل رسالة مطوية بين يديه، وقرأ بصوت جهوري مؤثر: «من الأمير كارفنرو حاكم بلاد النوبة إلى حضرة صاحب الجلالة فرعون مصر نور الشمس المشرقة، وظل الرب رع، حامي النيل، وصاحب النوبة، وطور سيناء، وسيد الصحراء الشرقية، والصحراء الغربية.

ناپیژندل شوی مخ