فقالت الجارية: نعم يا مولاتي، إنه ينتظر في البهو، وطلب إلي أن أوذنك بقدومه. كم لوحه السفر!
وجرت تتخطى أدراج السلم إلى البهو، فألفته واقفا ينتظر مقدمها وفي عينيه شوق صارخ، وكانت تبدو كشعلة من الفرح والأمل، فوقر في نفسه أن فرحها به، وله، فغمرته سعادة إلهية وارتمى على قدميها كالعابد، ولف ذراعيه حول ساقيها بحنان ووجد، وهوى بفمه إلى قدميها .. وقال: معبودتي، حلمت مائة مرة أني أقبل هاتين القدمين، وها أنا ذا أحقق أحلامي.
فداعبت شعره بأناملها وقالت برقة: بنامون العزيز .. بنامون .. أحقا عدت إلي؟
فلمعت عيناه بنور الحياة، ودس يده في صدره فأخرج حقا من العاج صغيرا وفتحه، وإذا ما فيه تراب .. ثم قال: هذا تراب مما كانت تطأ قدماك في الحديقة، جمعته بيدي واحتفظت به في هذا الحق، وحملته معي في سفري، وكنت أقبله كل مساء قبل استسلامي للكرى، ثم أحفظه على قلبي.
وأصغت إليه على جزع وتململ، وكان شعورها منصرفا عن حديثه، ونفد صبرها، فسألته برقة تداري بها جزعها: ألا تحمل شيئا؟!
فدس يده في صدره مرة أخرى، وأخرج كتابا مطويا ومد لها يده به، فتسلمته بيد مرتجفة وقد غمرها شعور سعيد، وأحست بتخدير في أعصابها وخور في قواها، وألقت على الرسالة نظرة طويلة، وشدت عليها بيدها، وكادت تنسى بنامون ووجده لولا أن وقع عليه بصرها فتذكرت أمرا هاما وسألته: ألم يأت معك رسول من قبل الأمير كارفنرو؟
فقال الشاب: بلى يا مولاتي، وهو الذي حمل الرسالة في أثناء العودة. وإنه لينتظر الآن في الحجرة الصيفية.
ولم تستطع أن تبقى في مكانها طويلا؛ لأن الفرح الذي غمر حواسها عدو للسكون والجمود فقالت: أستودعك الرب إلى حين، وإن حجرة الصيف تنتظرك وستصفو لنا الأيام.
وجرت حاملة الرسالة، وكان قلبها ينادي حبيبها ومولاها من أعماقها، ولولا التحرج، لطارت إليه في قصره كما فعل النسر من قبل، تزف إليه البشرى السعيدة.
الاجتماع
ناپیژندل شوی مخ