20 - فإن سأل سائل عن تلك العلل الأول : هل هي غيره بذواتها وغير الإبداع الكائن منها قيل له : نعم ، ومن أجل تلك العلل الأول البسيطة الانهمال كانت المهويات المركبة في أنفسها حقائق ؛ والعلل الأول هي التي تسمى بالحقيقة عللا ، لأنها وضعت لتكون معلولاتها المتهوية منها بفعال فاعلها عز وجل ، ولا نقول إن العلل كانت لأجل واضعها المخرج لها من عدم ، لأنه الغني عن ذلك والمتعالي عنه عز وجل { ليس كمثله شيء } ( الشورى : 11 ) فهو لا من أجله وجب أن يكون شيء ، لأنه هو لا موضوع لشيء يجب ، فيقال لذلك الشيء إنه من أجله كان ، كما ( 1 ) يقال ذلك في العلل الموضوعة ، سبحانه وتعالى عن ذلك .
21 - فإن قال قائل : فلولاه لم تكن العلل ولا المعلولات . قيل له : نعم ، لولاه لم تكن ، ولكن ليس علة لذلك ، لأن اسم العلة فيه معنى الضرورة إلى معلولها ، وفي المعلول معنى الضرورة إلى علته ، لأن العلة موضوعة للمعلول ، والمعلول محمول على العلة ، فهما مضافان مضطران متصلان غير مفترقين ولا غنيين ، لحاجة كل واحد منهما إلى صاحبه . وليست هذه صفة الخالق الأول الذي كان قبل أن يبدع شيئا غنيا عن كل شيء ، ثم لم يحل به حال لأنه لا لتأخذه الاستحالة فيعود من غني إلى احتياج ، أو من انفراد ( 2 ) إلى اتصال ، أو من وحدانية ( 3 ) إلى تكثر . وفرقان صفته من صفة العلة ، أن العلة منساقة إلى معلولها ، كما ذكرنا ، وهو عز وجل ليس بأولى أن يكون واضعا لها منه بأن لا يكون ، سبحانه وتعالى عن أن يكون أولى بالترك ، لا بإيجاد معرفته منه لإيجادها . كمثل ما يلزم العلل من ضد هذا القول ، بل هو المختار الذي لا يلزمه في أحد المعنيين ولا في شيء منها اضطرار ، لا يلزمه فعل شيء ولا يلزمه ترك شيء ، كلتا الحالتين معدلتان في اختياره . والعلل الموضوعة ليست بأولى بالترك لمعلولاتها وإعدامها منها إلا بترك ما قد جعل لها في قوتها أن تفعله ويوجد منها ، لأنها مضطرة إلى فعل ما جعل فيها فعله .
مخ ۳۷۰