لها ، ولكل شيء من القول والإرادة غاية ، فليس الله تعالى يسمى علة كما ظن الجاهلون الملحدون في أسمائه ، { سيجزون ما كانوا يعملون } ( الأعراف : 180 ) لأنه ليست العلة علة معقوله إلا لمعلول يكون المعلول من أجلها ضرورة ، أعني بلا أختيار وبلا رجعة عما لها في القوة أن يكون منها ، أعني كون معلولها منها كالقول الذي هو للإرادة بالقوة قبل خروجه منها بالفعل لكون الكائنات ، وكالكائنات التي هي للقول في القوة مكونة قبل الفعل ، وذلك من شأن العلل معقول أبدا عند أهل العلم ، أعني لا شيء لها في القوة إلا ولابد أن يكون كائنا بالفعل ضرورة يلزمها طبع العلة مقدور على ذلك اضطرارا .
53 - فالأول المبدع للعلل الذي لا مثل له ليس هو لشيء علة تعالى عن ذلك وارتفع ، إذ العلة في العقول الصحيحة هي السبب المطبوع لكون المسبب لا محالة ، فالأول جل وعز لا سبب ، تعالى عن ذلك ، فأنى يكون سببا وهو محدث الأسباب وفاعلها ، وأنى يكون علة وهو محدث العلل وواضعها ، لا من سبب ولا من علة .
54 - والذين قالوا إنه ليس علة الخلق شيء سوى القول والإرادة والقدرة ، وأنه إن كان جميع ذلك لم يزل بلا غاية ، فالخلق لم يزل بلا غاية ، فهو كما قالوا في كلامهم ؛ غير أنهم ضلوا عن المبدع الأول ، لأنه ليس علة الخلق إلا الإرادة والقول والقدرة ، فأما محدث ذلك فليس علة ، ولا لأنه لو لم تزل هذه الصفات لم نزل الكائنات واجبة ، لأن العلة فيها إيجاب معلولها ، ولكن من لهم بدعواهم أن العلل لم تزل مع الأول الموصوف ، وأنها أزلية بلا غاية ، وهم لا يأتون عليه بسلطان أبدا ، وإذا لم يجدوا به سلطانا ولا برهانا ، أليس القول به كفرا وشرا وطغيانا وهذا موضع خلاف النصارى والدهريين ، فسبحان الفرد الصمد الذي { ليس كمثله شيء } وهو الأول وحده ، وكل شيء سواه حادث بعده ، بائن منه ، مملوك له { لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد } .
55 - ومن فقه الصفات أن الصفات علل بادية ، وهي قبل أن يكون الفعل التام لانفعالات بتركيب المفعول [ 101 ه ] المفعول منها ، ولذلك لا يجب أن يقال : هي مفعولة ، أعني العلل التي هي الاسطقصات الأربع ، لأن المفعول هو المركب ، وهي
مخ ۳۸۳