27
أي فالدنيا وضرتها بعض جودك، وعلم اللوح والقلم بعض علمك والمقصود بيان بطلان تحذلق هذا الجاهل وإلا فكلام الناظم باطل على كل حال، وعلى زعم الجاهل أنها لبيان الجنس فالمعنى: جودك الدنيا وضرتها ... وعلومك هي علم اللوح والقلم لا تنقص عنها، بل هي عينها"، وصرح المعترض بدعواه أن النبي ﷺ يعلم الغيب حتى مفاتيح الغيب الخمسة. والناظم آل به المبالغة في الإطراء الذي نهى الرسول ﷺ إلى هذا الغلو والوقوع في هذه الزلقة العظيمة ونحو ذلك قوله في الهمزية١ في خطابه للنبي ﷺ: الأمان الأمان إن فؤادي ... من ذنوب أتيتهن هراء هذه علتي وأنت طبيبي ... ليس يخفى عليك في القلب داء فطلب الأمان من النبي ﷺ وشكا إليه علة قلبه ومرضه من الذنوب فتضمن كلامه سؤاله من النبي ﷺ مغفرة ذنبه وصلاح قلبه، ثم إنه صرّح بأنه لا يخفى عليه في القلب داء فهو يعلم ما احتوت عليه القلوب. وقد قال سبحانه: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾ [التوبة: ١٠١] وقال: ﴿وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ وخفي عليه ﷺ أمر الذين أنزل الله فيهم: ﴿وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ [النساء: ١٠٧]

(١) يعني القصيدة: "الهمزية في مدح خير البرية"، وهي للبوصيري أيضًا.

1 / 29