وليس هذا باختلاف قول، وإنما هو بيان لما يطلق عليه النسخ في اللغة، فذكر أنه يطلق على معنيين: على الإزالة، وعلى النقل، وذكر بعضهم أنه يطلق على معنى ثالث وهو التغيير، كما في قولهم: نسخت الريح آثار الديار، أي غيرتها، والظاهر أنه يرجع إلى المعنى الأول وهو الإزالة فإنها أعم.
واختلف في استعماله في المعنيين اللذين ذكرهما المصنف فقيل: إنه حقيقة فيهما، فيكون مشتركا بينهما، وقيل إنه حقيقة في الإزالة مجاز في النقل.
وذكر بعضهم قولا ثالثا: إنه حقيقة في النقل مجاز في الإزالة، وهو بعيد.
(وحده) أي معناه الاصطلاحي الشرعي: (هو الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه)، أي لو الخطاب الثاني، (لكان) الحكم (ثابتا، مع تراخيه)، أي الخطاب الثاني (عنه)، أي الخطاب المتقدم.
وهذا الذي ذكره رحمه الله حد للناسخ، ولكنه يؤخذ منه حد النسخ وأنه: رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم، بخطاب آخر، لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه.
ونعني (برفع الحكم) رفع تعلقه بفعل المكلف، فقولنا: (رفع الحكم) جنس يشمل النسخ وغيره كما سيأتي بيانه.
وقولنا: (الثابت بخطاب) فصل يخرج به رفع الحكم الثابت بالبراءة الأصلية، أي عدم التكليف بشيء، فإنه ليس بنسخ، إذ لو كان نسخا كانت الشريعة كلها نسخا، فإن الفرائض كلها كالصلاة والزكاة والصوم والحج رفع للبراءة الأصلية.
وقولنا: (بخطاب آخر) فصل ثان يخرج به رفع الحكم بالجنون والموت.
وقولنا: (على وجه لولاه لكان ثابتا) فصل ثالث يخرج به ما لو كان الخطاب مغيا بغاية أو معللا بمعنى، وخرج الخطاب الثاني ببلوغ الغاية أو زوال المعنى فإن ذلك لا يكون نسخا له، لأنه لو لم يرد الخطاب الثاني الدال على ذلك لم يكن الحكم ثابتا لبلوغ الغاية وزوال العلة.
مخ ۴۰