تقول لا مؤاخذة عجل وكترت عليه السكاكين؟ عددهم كم؟
والله ما أعرف يا سعادة البيه، قل ستة قل سبعة.
يمكن أكثر يمكن أقل، ربنا وحده يعلم، كل واحد منهم مثل الحصان، صحة وشباب وأبهة، ناس محترمين أولاد ناس محترمين صحيح، استفرسوا في وعملوني مسختهم، نعم؟ السبب في ضربهم لي؟ بس لو كنت أعرف، لو كان أحد دلني عليه! القصد، وقعت جاءت وقعتي بعيد عنك سوداء، الأفندية بعد ما ضحكوا وانبسطوا راحوا لحالهم، تمددت على الأرض والدم يشر مني، من عيني أو من راسي، ربنا وحده أعلم، بحر وغرقت فيه ولا من سمع ولا من دري، الشارع اسكت هس، لا فيه كبير ولا صغير، حتى العسكري ناديت عليه ما أحد رد علي، تهت وغبت عن الدنيا وما فيها، لا أحد سأل عني ولا أحد رأف بحالي، قل ساعة قل اثنتين رجعت لعقلي، لقيت الفجر شقشق والديوك صيحت والطير على الشجر وحد الخالق، قلت: يا ولد تروح لمن وانت هنا غريب، غريب يا ولداه لا أحد يعرفك ولا أحد عمره سأل فيك، الناس صحت وقامت تسعى على رزقها، والطير صحى وقام يجري على قوته، والترماي مشى في الشوارع، أنا قلت: يا ولد تروح القصر العيني، الحكما يربطوا لك دماغك، قل جئت على نفسي رحت على هناك، قطعت التذكرة ودخلت.
الحكيم كان رجل طيب مثل سعادتك، ربط لي عيني ودماغي وسألني عن اللي حصل، قلت له: ربنا يجازي أولاد الحرام، ضربوني وبهدلوني وضحكوا علي، حتى القلم ما زال معلم على صدغي، ضحك، الله يعمر بيته وسألني: تعرفهم؟ قلت له: والله لا عمري شفتهم يا سعادة البيه، ولا كان بيني وبينهم تار.
نادى على العسكري قال: خذه على البيه المدير الكبير واعمل له اللازم، قل رماني في الشارع جئت على هنا، لقيتني في مكان ما وقعت، مثل ما قلت لسعادتك كده، حكيت لك على الحكاية، ربنا ينجيك من أولاد الحرام، حاجة ثانية؟ لا والله يا سعادة البيه، لن أتهم أحدا، أولاد الحرام طبعا وسعادتك سيد العارفين، وربنا مصيره ينتقم منهم، أقول لسعادتك على اسمهم؟ وأنا أعرف أحدا منهم يا سعادة البيه؟ أولاد الحرام منهم لله يخلص منهم، تشطروا على رجل في حاله، كتموا على نفسه، أهانوه وضربوه، حتى القلم معلم على صدغي، آي والله! شفت سعادتك؟ لا تقول أني كذاب لا سمح الله، وحياة مقامك عندي يا سعادة البيه، تقول ولا بصبوص نار؟ تقول كرباج ولسعني ولا فاس قسم وجهي نصفين؟ خلاص؟ سعادتك تقول روح للقسم؟ أقدم بلاغ فيهم؟ نعم؟ وسعادة الشاويش يبعثه لسعادة القاضي؟ قاضي من؟ تقول يقيدوه ضد مجهول؟ طيب شفت حضرتك الرباط على عيني ودماغي، يعني يرضيك يضربوني ويتقيد ضد مجهول؟ بقى القلم معلم على صدغي ويقيدوه ضد مجهول؟
التابوت
أخيرا زرت المتحف يا عبد الموجود، زيارة كان نفسك فيها من زمان، آخ يا دماغي! لا بد أن عندك حمى، رأسك ساخن، مفاصلك ترتعش، والنبض أيضا سريع، من أربعين سنة وأنت تحلم بهذه الزيارة، هل تذكر يوم ذهبت لأول مرة في رحلة مع المدرسة؟ كنت أيامها بالبنطلون القصير يا عبد الموجود، والمدرس أيضا كان قصيرا، ومن الذي لا يبدو قصيرا أمام تمثال رمسيس؟ والأسماء الكثيرة ما زلت تذكرها، ولكن في أي دولة هي؟ دماغي ستنفجر.
أين الثلج الذي وضعته زوجتك إلى جانبك؟ على الكرسي أم على المكتب؟ آخ! بل هو على رأسك، ومع ذلك فأين ذهب؟ لا بد أنه الآن يغلي، يا لطيف! خوفو وخفرع وأحمس الشجاع وأخناتون النحيف المسلول، لكن الأيام تمر، والسنين تمر، والأتوبيس يمر كل يوم على المتحف، لكنك لا تنزل منه، لا تنزل منه يا عبد الموجود، المتاحف خلقت للسواح، وزوجتك عندها شغل في المطبخ، والأولاد يلزم لهم ملابس للشتاء، والدوسيهات لا بد أن تراجعها بالليل، وعيشة الدنيا تعب، عيشة الدنيا تعب يا عبد الموجود.
اليوم هو الجمعة؛ لأنك خرجت من المتحف على الصلاة، القاعة كانت مزدحمة يا عبد الموجود، ودفعت فيها خمسة وعشرين قرشا، والسواح كانوا في كل مكان، حمر وبيض وعيونهم خضر وشعرهم أشقر وطويل، والصناديق الزجاجية كانت مرصوصة إلى جانب بعضها، عشرة عشرين ثلاثين، شبان وعجائز ونساء، وأحمس شعره ما زال هناك، الغريبة أن شعره أصفر، أصفر مثل شعر الإنجليز، والجلد ما زال على حاله، وحتى الأسنان، والشابة التي على اليمين فيها ملامح من زوجتك، وجهها عريض، عظم خديها بارز، بشرتها سمراء، الابتسامة لا تزال على شفتيها، لا بد أن دمها كان خفيفا، والصلاة وجبت يا عبد الموجود، والجامع كان على آخره، وفرشت الجرنال على الرصيف، آخ يا دماغي! الشمس كانت تلسع، الشمس هي السبب، وأحمس أسنانه لا زالت تلمع، والبنت السمراء لا زالت تبتسم، من ثلاثة آلاف سنة؟ أو أربعة آلاف؟ أو حتى خمسة؟ من يدري يا عبد الموجود؟ يحنطوك في صندوق من زجاج، والسواح تتفرج عليك؟ ويعرفونك أنك كنت موظفا في الأرشيف؟ أربعين سنة؟ أربعين سنة يا عبد الموجود؟
اليوم إجازة، أول إجازة بحق وحقيق، استرح لك يوما يا عبد الموجود، يوما من نفسك! أربعين سنة وأنت تعمل مثل الحمار، أربعين سنة وأنت تصحو من النوم، وتجري على الديوان، وتجلس على المكتب، وتفحص البوستة، وتسرك الجوابات، وتفرز الصادر من الوارد، أربعين سنة وأنت تشرب الشاي وتأكل الفول، وتقرأ الجرنال، وتقف زنهار أمام الرئيس والمدير، أربعين سنة وأصبحت على المعاش يا عبد الموجود؟ الشمس كانت نار، وقاعة المومياء ملآنة بالتوابيت والسواح شعرهم أشقر وعيونهم خضراء، شباب وصحة وملك صحيح، وأحمس راقد على ظهره، والبنت السمراء أم شعر أسمر تبتسم، وتحتمس وجهه متآكل، ومكانك معهم يا عبد الموجود، مكانك معهم في الصندوق أو في التابوت.
ناپیژندل شوی مخ