ثم صارت قلة العيان تزيد فيه وتوقد ناره، والانقطاع يسعره حتى يذهل وينهك البدن، ويشتغل القلب عن كل نافعة، ويكون خيال المعشوق نصب عين العاشق والغالب على فكرته، والخاطر في كل حالة على قلبه.
وإذا طال العهد واستمرت الأيام نقص على الفرقة، واضمحل على المطاولة، وإن كانت كلومه وندوبه لا تكاد تعفو آثارها ولا ترس رسومها .
فكذلك الظفر بالمعشوق يسرع في حل عشقه. والعلة في ذلك أن بعض الناس أسرع إلى العشق من بعض؛ لاختلاف طبائع القلوب في الرقة والقسوة، وسرعة الإلف وإبطائه، وقلة الشهوة وضعفها.
وقل ما يظهر المعشوق عشقا إلا عداه بدائه، ونكت في صدره وشغف فؤاده. وذلك من المشاكلة، وإجابة بعض الطبائع بعضا، وتوقان بعض الأنفس إلى بعض، وتقارب الأرواح. كالنائم يرى آخر ينام ولا نوم به فينعس، وكالمتثائب يراه من لا تثاؤب به فيفعل مثل فعله، قسرا من الطبيعة.
مخ ۱۶۹