ثانيا:
كان ابن رشد أقل إقناعا من خصومه أمام الفكر الإسلامي، وبالتالي لم يترك بعده أثرا يؤثر في دنيا المسلمين، يتكافأ مع الأثر الذي تركه هؤلاء الخصوم - والغزالي منهم بصفة خاصة - فلم يكن عجيبا أن تقل شهرته بينهم عما كان ينبغي لها أن تكون. يقول برتراند رسل: «فيلسوفان إسلاميان يقتضيان منا وقفة خاصة، أحدهما من فارس هو ابن سينا، والآخر من إسبانيا هو ابن رشد. أما ابن سينا فقد كان أبعدهما صوتا بين المسلمين، وأما ابن رشد فكان أكثر شهرة من زميله بين المسيحيين.»
2
ومدار الضعف عند ابن رشد في موقعه من تيار الفكر العربي الإسلامي - كما أراه - هو: (أ)
أنه كان أكثر اهتماما بقواعد المنهج، منه بالتطبيق على فحوى المشكلات نفسها. (ب)
وأنه في بعض المواضع - خصوصا عند إقامته لدليلي العناية والاختراع (في مناهج الأدلة) - قد صادر على المطلوب؛ إذ أيد الشريعة بالشريعة. (ج)
وأنه في نقده للمتكلمين، بأنهم استخدموا الأدلة الجدلية، وكان ينبغي لهم أن يستخدموا الأدلة البرهانية، كان في نقده هذا نفسه - فيما أرى - أقرب إلى الجدل منه إلى البرهان.
ثالثا:
كان من أهم النتائج التي انتهيت إليها من النظر في كتب ابن رشد الثلاثة التي ذكرتها، أن هنالك تشابها في بنية الحركة الفكرية في العالم العربي إبان القرنين الحادي عشر والثاني عشر، وبنيتها إبان القرن التاسع عشر والعشرين، من حيث أن كليهما متفق على أن شريعة الإسلام هي بمثابة الأساس في بنيان الفكر العربي. ثم وفد إلى ذلك الفكر من خارج الحدود فكر آخر، مؤسس على العقل (هو فلسفة اليونان في الحالة الأولى، وهو علوم عصرنا الحاضر في الحالة الثانية)، وفي كلتا الحالتين، رأى فريق من رجال الفكر بأن في ذلك الوافد خطرا يتهدد الفكر الأصيل، بينما وجد فريق آخر ألا خطر هناك، لما بين الوافد والأصيل من اتفاق في الغاية، وإن اختلفا في طرق الوصول. وكان ابن رشد - في الحالة الأولى - أبرز من حمل هذه الدعوى.
فإذا صح هذا التشابه بين العصرين في البنية الفكرية - مع الاختلاف البعيد بينهما في المادة الفكرية المعروضة - كان لنا في هذه المحاولة التي ننظر من خلالها إلى ابن رشد وموقفه، ما قد نهتدي به في حياتنا الثقافية الراهنة.
ناپیژندل شوی مخ