ولم ينبس هكتور!
ولكنه شاهد الميرميدون يعيدون الكرة بعد الكرة على الطرواديين، فينالون منهم ويمزقون صفوفهم، وشاهد البطل الإغريقي المشهور إيجيوس يصول بين الجيشين ويجول، ويجندل الأبطال، ويبيد لهاميم الرجال، فأخذ هكتور حجرا كبيرا وانتهز غرة من إيجيوس، وقذف بالحجر فوق رأسه فشجه، وبرز المخ، وتدفق الدم، وتردى البطل فوق الحدود حتى استقر في بسيط الساحة!
واستشاط بتروكلوس غضبا! وود لو كان قريبا من هكتور فيضغط على عنقه ضغطة تذهب به إلى الجحيم! ولكنه لم يستطع إلا أن يثأر للقتيل بمثل ما صنع هكتور؛ فقد تناول جلمودا كبيرا، وقذف به ستينلاس الهائل أشجع شجعان طروادة الأحياء، فأطاح جمجمته، وهوى الجلمود على مفرش جواده فقتله، بين عجب الطرواديين وشدة تحيرهم!
ولكن جلوكوز - رئيس الليسيين - يرى إلى ذلك فيتسخط وينقض على البطل الهيلاني الكبير باثيسليز، فيشكه برمحه شكة تذهب به وتتركه يتشحط في دمه، وتستمر المعركة ... •••
أما أبوللو! فيغيظه من هكتور هذا الجمود الذي استولى عليه، وذلك الموقف الجبان الذي يحول بينه وبين الميدان، وفي الحق؛ لقد كان هكتور ينظر إلى شياطين الميرميدون ولا يصدق أنهم مقاتلة من البشر، بل وقر في قلبه أنهم زبانية من جحيم بلوتو، سلطتهم المقادير على الطرواديين يسومونهم الخسف وسوء العذاب!
وتنكر أبوللو؛ فبدا في زي محارب في عنفوان الشباب، ثم أجرى في عروقه من دماء بني الموتى، وغضن قليلا من جبينه، وسوى من ساعديه، ونثر فوق عدته من ثرى المعمعة، ولوح وجهه بملامح «أسيوس» العظيم - أخي هكيوبا، وخال هكتور - وسار قدما إلى حيث وقف فتى طروادة المسحور بروع الساحة الهوجاء: «هكتور! فيم إحجامك عن لقاء الأعداء يا بني؟ هلم، هلم! فوأرباب الأولمب لو كان لي شبابك وعنفوانك لصاولت هؤلاء الميرميدون الألداء، ولأخليت منهم تلك الحومة التي ملأتك هلعا! أقدم يا هكتور ولا تحجم هكذا! الق بتروكلوس فقد تصرعه، وإنك لصارعه، وإنك لعاقد إكليلا من المجد فوق رأسك لا يذبل أبد الدهر، وحسبك أن أبوللو صاحبك وحاميك ومسدد خطاك، ومضاعف بتأييده ضرباتك! هلم، هلم ، وعش عزيزا يا هكتور، أو مت كريما يا بني، بين طعن القنا وخفق البنود!»
وانفتل أبوللو فانخرط في صفوف المقاتلين، وطفق يصرع أبطال الهيلانيين ليضرب المثل لهكتور، وليشحذ من همته الخابية، وليوقظ شبابه النائم.
فلما رأى هكتور جلائل هذه الفعال التي أبداها خاله - وما هو بخاله - انكشفت عنه هذه الغمة التي غمرته، وأمر سبريونيس - سائق عربته - أن ينطلق به إلى الحومة، فانطلق السائق المسكين نحو بتروكلوس، حتى إذا كان على مقربة من شباة رمحه، ترك صاحبه وجها لوجه معه، وكان السائق من مغاوير أبطال طروادة، فأخذ يناوش بتروكلوس هو الآخر، فما كان من قائد الميرميدون العظيم إلا أن قذفه بحجر هشم رأسه، وصدع فقاره، وطار بروحه إلى هيدز.
واقشعر هكتور من هول الضربة، وعز عليه أن يودي سبريونيس وهو بين يدي مولاه فلا يجد له حاميا. ولكن الطرواديين تكبكبوا حول القتيل، يذودون الهيلانيين الذين كان كل همهم أن يفوزوا بعدته ليحتفظوا به أثرا حربيا خالدا!
واشتد صيال القوم حول جثمان السائق، وصخبت زوبعة القتال فوقه، واشترك هكتور وبتروكلوس مع أجنادهما؛ فكان جماعة يشدون القتيل من قدميه، بينا جماعة أخرى تشده من الرأس، وهم يعفرونه فيما بين هذا وذاك بالتراب ويلطخونه بالدم!
ناپیژندل شوی مخ