ولكن بتروكلوس يهجم غير هياب، ويجندل من حوله الأبطال المذاويد، ويقود جنده إلى البوابة الكبرى، حيث وقف هكتور ينظر إلى المعركة بعينين مشدوهتين ونفس مذهوب بها وقلب حيران متصدع ...
ووقفت الآلهة دون البوابة تحمي طروادة الخالدة.
ذلك أن بتروكلوس كان كلما بلغ ثمة ... وجده وجنده ينسحبون إلى وراء بقوة خافية لا يدرون سرها، ولا يعرفون من أين تأتيهم فتتخطفهم، وتردي جحافلهم، وهي قاب قوسين من داخل المدينة ... أو أدنى!
وفي الهجمة الثالثة سمع بتروكلوس إلى صوت إلهي يقول : بتروكلوس! ليس على يديك تفتح هذه المدينة الخالدة! بل هي لن تفتح على أخيل العظيم الذي هو أقوى منك ومن عشرة من أمثالك! عد من حيث جئت، واحذر أن تكون آخرتك اليوم في هذا الميدان المضرج بدماء ضحاياك!»
وتلفت بتروكلوس فرأى الهاتف هو إله الشمس، أبوللو! أبوللو بعينيه؛ رب طروادة العظيم، واقفا فوق برجها الباذج، يقلب قوسه في يديه الجبارتين، مرسلا في عساكر الميرميدون والجنود الهيلانيين نظرات تقدح الشرر، وتوري نيران الكيد والجبروت!
واقشعر جسم بتروكلوس، وأيقن أن أبوللو هو الذي رفع جثمان ساربيدون من مكانه من المعمعة، وأنه أقبل ليلعب دوره ضد الميرميدون وضد الإغريق وضد بتروكلوس قبل كل شيء!
ولكن بتروكلوس محارب، وقلب المحارب العظيم لا يعرف الجبن، ولا يتلجلج لقصف المنايا في المعركة، فكيف به يخفق فرقا إذا رأى الآلهة نفسها تحارب في صفوف الأعداء!
أقبل يا بتروكلوس وأقدم، ولا يهولنك أبوللو، وألف ألف أبوللو، ما دام أن العمر واحد، والساعة آتية، ولن يفلت أحد مما قدر له! •••
وبهت الجمعان المقتتلان حول جثمان ساربيدون حين رأوا إليه يرتفع في الهواء، ثم يتهادى إلى جهة ليسيا، موطنه الذي يبكي عليه، فعلموا أن السماء تعمل!
وأحس الليسيون هذا الفراغ المفزع الذي خلفه ملكهم المقتول فيهم، فذهب رئيسهم المغوار جلوكوز نائب الملك وخير وجوه ليسيا، إلى حيث وقف هكتور ينظر إلى المعمعة قريبا من البوابة الكبرى، فوقف تلقاءه محطم القلب، دامع العين، موهون القوى، وقال: «يقف هنا بطل طروادة العظيم، ويدع أحلافه البواسل يجودون بأرواحهم من أجل إليوم، ويسيلون نفوسهم على ظبى الرقاق البيض التي يرهفها في وجوههم أعداؤكم! ولأي شيء؟! لأنكم استجرتم بنا فأجرناكم، وأسرعنا إليكم نفتديكم بالمهج الغالية والدماء الزكية! هكتور! لقد قتل ساربيدون، فهل علمت؟ هل علمت هذه النفوس التي يمضها الأسى، والعيون التي تقرحها الدموع، ويعصف بها الدم؟! فيم وقوفك هكذا ترمق الساحة، وقد رأيت من فتك الميرميدون بنا ما رأيت، هل فكرت في حماية مولانا الملك، أو على الأقل صيانة جثمانه العزيز؟! لقد سبوا دروعه وسلاحه، فأي عار يصمنا في طويل الأحقاب والآباد؟ يا لثأرنا ... يا لثأرنا ...!»
ناپیژندل شوی مخ