وقد خرج المرحوم العقاد باعتقاده أن الاسم «يهوه» من مادة الحياة «يحو»،
19
وهو ما يذكرنا بالتعبير التوراتي المتواتر عن «إل رئي» بأنه مرة «يهوه رئي»، ومرة «لحي رئي»، ولنلحظ أن الهواء سبب «الحياة»، والأقدمون اعتبروا «الروح» سر الحياة من «الريح» أو الهواء والنفس، وحملت لنا اللغة اشتقاقاتها من جذر واحد، وعليه فإن فرضنا أن «يهوه» كان إلها للهواء والريح مرموزا له بالشياه، مع استفادتنا بمذهب «ديتلف نيلسن» أنه كان إلها للقمر، قد أصبح فرضا مدعما بشكل كاف. وقد ألمح الباحثون إلى ارتباط «يهوه» بالبراكين، وعدوه إلها بركانيا ولنا هنا إضافات تثري هذا المعنى. فإذا ربطنا بين ظهور القمر بجاذبيته التي تسبب ظاهرة المد، كما تسبب أيضا فوران البراكين النشطة، فإن ذلك يؤدي إلى ارتباط القمر بالبراكين في أذهان الأقدمين، ولو طبقنا ذلك على «يهوه» كقمر سنجده مرتبطا بالبراكين ارتباطا مثيرا، حيث نجد صفات «يهوه» في التوراة صفات بركانية دون لبس، فهو قد ظهر أولا لموسى في هيئة نار في عليقة، كما كان يتمثل لموسى وأتباعه إبان رحلة الخروج «نهارا في عمود سحاب ... وليلا في عمود نار» (خروج 13: 21)، وهو المشهد الذي تتجلى به البراكين، فهي إبان النهار يطغى ضوء الشمس على إشعاع لهيبها المختفي في الفوهة، فلا يرى منها غير دخانها، أما ليلا فيتضح مشهد النيران واللهيب.
كما خلعت التوراة على «يهوه» صفات، ليست سوى صفات مسئول كبير عن البراكين وهولها في تصور العقل القديم فهي تصفه بأنه «إله يسخط كل يوم» (مزامير 7: 11)، وأنه «يمطر ... فخاخا نارا وكبريتا وريح السموم» (مزامير 11: 6)، وأنه ينادي عباده آمرا اعبدوا الرب بخوف واهتفوا برعده» (مزامير 2: 11)، وأنه إذا غضب «صعد دخان من أنفه ونار من فمه» (مزامير 18: 8)، وأنه إذا تجلى صاحبته «رعود وبروق وسحاب ثقيل على الجبل ... وكان جبل سيناء كله يدخن من أجل أن الرب نزل عليه بالنار، وصعد دخانه كدخان الأتون، وارتجف كل الجبل جدا» (خروج 19: 18-16). أما صفته الدائمة المتواترة في نصوص التوراة فهي «الرب إلهك هو نار آكلة» (تثنية 4: 24). أما أوضح تعبير توراتي عن ارتباط ظهور القمر بجاذبيته، بظهور الإله «يهوه» بثورة البركان، فهو ذلك النص الذي لا يحتاج تعليقا: «... جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران، وعن يمينه نار شريعة لهم» (تثنية 23: 1)، مع ملاحظة أن اسم الجبل الذي أشرق منه الإله «يهوه» أو القمر، يحمل اسم «سعير»، والسعير يدل على هوية هذا الجبل المستعر بالنار الذي تلألأ منه الإله وعن يمينه نار.
أما الأكيد فهو أن ابن «إيل» كان «البعل الملك»، وفي النصوص الأوغاريتية الكنعانية يقول الرب «إيل»: «اسم ابني ياو.»
20
و«ياو» ليس شيئا آخر غير «ياهو» أو «إهيه» أو «ياه» أو «يهوه»، أسماء رب اليهود في العهد الموسوي، كما وردت في التوراة! (ولنلحظ أنه عندما جاء الإسلام أعطى ملاك أو خازن النار في السعير الاسم مالك!)
وعليه نقرر أن اليهود عبدوا فعلا «الملك» باسم «يهوه» في الغالب وعبدوه أحيانا أخرى بالاسم «الملك» صراحة كما رأينا في سفر النبي أرميا. وأنهم تحاشيا لهذه الوصمة الكبرى التي تهدم أعمدة الفكر الديني اليهودي المتسم بالذاتية والاستقلالية والخصوصية التامة، حيث زعموا أن «يهوه» اختارهم من بين العالمين عبادا له، بينما هو أحد آلهة شعوب المنطقة، وأنه كان معبود اليهود فعلا وإلا ما حرمته ونهت عنه التشريعات الموسوية، أقول: تحاشيا لذلك استخدم اليهود الاسم «يهوه» بديلا عن «الملك»، ذلك الاسم الذي حمل من المعاني الكثير أوردناها سلفا، لكنه حمل أيضا معنى نداء الغائب في العبرية تحاشيا لنداء الرب صراحة باسمه «بعل مولوك» أو «الملك»، ولم تكن التسمية «يهوه» كنداء للغائب «هو» كما ذهب الباحثون التوراتيون احتراما للذات الإلهية (كما في رأي سميث مثلا):
21
إنما تغطية لاسم المعبود الأصلي، الذي كثيرا ما ظهر في الترجمات بالاسم «ملاك الرب» بدلا من الترجمة الحقيقية «الرب الملك» أو «البعل مولوك» أو مالك.
ناپیژندل شوی مخ