196

د نړۍ ادب کیسه (برخه لومړۍ)

قصة الأدب في العالم (الجزء الأول)

ژانرونه

وقد بلغت قدرته على الخطابة مبلغا أغرى الرواة أن ينسجوا حولها الأساطير؛ فقالوا مثلا - إنه قوم لسانه بوضع الحصا في فمه، والصياح بذلك الفم المملوء على شاطئ البحر. ومهما يكن من أمره فقد كانت بلاغته تفتن سامعيه، وخطبه الباقيات قطع من النثر الممتاز. وكان مذهبه السياسي أن يكون الحكم لصالح اليونان كلها بقيادة أثينا، لا أن يكون الحكم موجها لصالح أثينا وحدها أو أي بلد آخر، لذلك خاصم فيليب المقدوني أبا الإسكندر؛ إذ كان يرى أن يحكم حكما مقدونيا بحتا. وكانت أشهر خطب «ديموسثنيس» ما وجهه إلى أهل أثينا ليحرضهم على فيليب المقدوني الذي كانت جيوشه تجتاح مدائن اليونان، ممهدة لابنه الإسكندر أن يقيم دعائم ملكه، ومن أجل هذه الهجمات القوية العنيفة التي وجهها «ديموسثنيس» إلى «فيليب»، سمي هذا اللون من الخطابة - مكتوبا كان أو منطوقا: ب «الخطابة الفليبية».

209

وتفصيل ذلك أن أثينا حين أثرت في عهد «بركليز» ألهاها التكاثر، ففقد الأثينيون ما كان لهم من نشاط، وكرهوا أن يساهموا في نفقات الدولة، بعد أن كانت واجبات الأثيني تقضي أن يشارك الأغنياء في إعداد الجيش وبناء الأسطول، وكان فيليب الناهض إذ ذاك يجهز جيشه للفتوح، فقام ديموسثنيس يوجه الخطاب إلى قومه: «يجب أن تعدوا أنفسكم فتقصدوا بأنفسكم إلى العدو في سفائنكم.» فقد كان الأثينيون يلقون بأعباء الحروب على عواتق الجند المأجورة والعبيد لينعموا هم في مدينتهم الغنية بالأمن والعافية، ولكن خطيبهم لم يجد بدا - إذا أرادت أثينا أن تظفر بالنصر - من أن ينهض الأثينيون أنفسهم إلى الدفاع، بعد أن أصبح خطر الغزو داهما، واجتاح فيليب بعض المدائن: «لا تظنوا أن قوة فيليب الحاضرة خالدة له أبد الدهر كأنه إله من الآلهة: كلا! إنه مكروه مخوف محسود، حتى من أنصاره الذين يظهرون له اليوم قلوبا مخلصة.» ولكن الأثينيين لم تحركهم أول الأمر هذه الخطب، وخدعتهم النعرة الكاذبة، وظلوا على عقيدتهم أن المقدونيين جماعة مزدراة لا تستحق أن يخشى لها بأس، واكتفوا بأن يرسلوا إلى فيليب الرسل؛ فأفسد عليهم فيليب سفراءهم بما أجزل لهم من العطاء، حتى كون له من هؤلاء الرسل أنفسهم حزبا قويا في أثينا يظاهره ويناصره، وعلى رأس هذا الحزب «إيسكنيز»

210

الذي أصابه من رشوة فيليب نصيب الأسد. وكان إيسكنيز هذا خطيبا مصقعا، لا يبذه إلا ديموسثنيس الذي ما زال بالناس يخطبهم حتى أفلح في أن يبعث الأثينيون جيشا صغيرا يحاصر الغزاة في شعاب الجبل، ونجح في صده عن البلاد، فاقترح «تسيفون» أن تصنع الدولة تاجا ذهبيا ليكون إكليلا يجلل هامة ديموسثنيس منقذ الوطن، فعارضه «إيسكنيز» في خطبة رنانة بارعة، تسمى «خطبة التاج»، يزعم للناس أن «تسيفون» يريد أن يجعل من ديموسثنيس حاكما بأمره، فرد ديموسثنيس بخطبة هي خطبة من الطراز الأول وتسمى أيضا «خطبة التاج»، وقد كان لها من الأثر في نفوس الناس أن «إيسكنيز» لم تطب له الإقامة في أثينا بعد، ففر منها إلى رودس، ويقال إنه أثرى هنالك من مدرسة فتحها ليعلم الشبان أصول البلاغة. واستأنف ديموسثنيس خطبه «الفيلبية»، ولكن ماذا تجدي الألفاظ أمام الرماح؟! لقد غلبت أثينا على أمرها وأصبحت جزءا من إمبراطورية الفاتح الغازي. وحدث بعد موت الإسكندر أن طلب حاكم مقدونية إلى أثينا أن يهادنها ويسالمها إذا دفعت له ديموسثنيس ثمنا، ولكن خطيبنا سارع إلى أحد المعابد وجرع السم وأسلم الروح سنة 322ق.م. وأهم ما تمتاز به خطابته بالقياس إلى منافسيه أنها لم تعن كثيرا بزخرف اللفظ وتزويق العبارة، إنما وجهت عنايتها إلى الحجج الدوامغ تسوقها حجة في إثر حجة، حتى إذا ما بلغ الخطاب ختامه كان مقنعا مفحما.

غلبت اليونان على أمرها أمام المقدونيين الغزاة، ثم غلبت على أمرها مرة أخرى أمام الرومان، ولكن المغلوب في كلتا الحالتين ظل يحتفظ له بالسيادة العقلية على الغالب، وظلت أثينا في كلتا الحالتين حاكمة في دولة الفكر، فكان الروماني المثقف يتكلم اليونانية ويكتبها ليدل على ثقافته، ولكن هذه السيادة لم تدم؛ فما جاء القرن الرابع الميلادي حتى اتسع سلطان الرومان وسادت الكنيسة الرومانية، فأفسحت اليونانية مكانها للغة اللاتينية وبقيت اليونانية مغمورة قرونا عشرة، حتى بعثتها من مراقدها حركة النهضة الأوروبية التي كانت لثقافة أوروبا بمثابة الميلاد الجديد. ولا نستطيع أن نطوي صفحات اليونان الأخيرة قبل أن نذكر لهم كاتبا ساخرا هو لوسيان،

211

الذي كان لعصره في الفكاهة الساخرة ما كان «سوفت»

212

و«فولتير»

ناپیژندل شوی مخ