د نړۍ ادب کیسه (برخه لومړۍ)
قصة الأدب في العالم (الجزء الأول)
ژانرونه
قصة الكتابة
نشأة الأدب
الأدب القديم وبدايته
1 - الأدب في الشرق القديم
2 - الأدب العبري
3 - الأدب اليوناني
4 - الأدب الروماني
الأدب في العصور الوسطى
1 - الأدب الإنجليزي في العصور الوسطى
2 - الأدب الفرنسي في العصور الوسطى
ناپیژندل شوی مخ
3 - الأدب الألماني في العصور الوسطى
4 - الأدب الإيطالي في العصور الوسطى
5 - الأدب العربي في العصور الوسطى
6 - الأدب الفارسي الإسلامي
قصة الكتابة
نشأة الأدب
الأدب القديم وبدايته
1 - الأدب في الشرق القديم
2 - الأدب العبري
3 - الأدب اليوناني
ناپیژندل شوی مخ
4 - الأدب الروماني
الأدب في العصور الوسطى
1 - الأدب الإنجليزي في العصور الوسطى
2 - الأدب الفرنسي في العصور الوسطى
3 - الأدب الألماني في العصور الوسطى
4 - الأدب الإيطالي في العصور الوسطى
5 - الأدب العربي في العصور الوسطى
6 - الأدب الفارسي الإسلامي
قصة الأدب في العالم (الجزء الأول)
قصة الأدب في العالم (الجزء الأول)
ناپیژندل شوی مخ
تأليف
زكي نجيب محمود وأحمد أمين
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه «قصة الأدب في العالم» بعد قصة الفلسفة اليونانية، و«قصة الفلسفة الحديثة»، عرضنا فيها للآداب العالمية قديمها وحديثها، شرقيها وغربيها، في أسلوب أقرب ما يكون إلى القصص، وعرفنا بأشهر رجالها، ولخصنا أشهر نتاجهم، وقدمنا بعض نماذج من آدابهم.
ودعانا إلى هذا العمل ما رأينا من حاجة الأدب العربي إلى أن يضع عينه على الآداب الأخرى، يستفيد من موضوعاتها واتجاهاتها، ويستلهم بعض نماذجها كما تفعل كل أمة حية الآن، فلم تترك أدبا من الآداب الشرقية والغربية إلا أعلمت قومها به ووقفتهم عليه، وذكرت لهم خصائصه، وعيوبه ومميزاته، ونقلت شعره شعرا ونثره نثرا، وعرفتهم بأشهر رجاله، وترجمت أقوم آثاره؛ فلو شاء إنجليزي أو فرنسي أو ألماني أن يعرف أي أدب؛ صيني أو ياباني أو هندي أو فارسي أو عربي، أو أي أدب آخر غربي، لوجد من كل ذلك الأدب الكثير بلغته، ووجد المطولات والمختصرات، والمجموعات والمتفرقات. واستغل أدباء كل أمة هذه الآداب المعروضة خير استغلال، فاستغلوا ألف ليلة وليلة، ورباعيات الخيام، والشعر الجاهلي، والقصص الهندي. وكل يوم يزيدون من ثروتهم ونتاجهم؛ أخرجوا المجموعات الواسعة في قصص العالم، ومختارات من الكتب الدينية في العالم، والكتب الكبيرة في أهم آداب العالم، وهكذا حتى لم يعد الأدب ملك الأمة التي أنتجته، بل أصبح ملكا مشاعا لكل أمة يقظة تستثمره وتستغله. وأصبح شأن الآداب شأن البريد، وغلات العالم، والمستكشفات الطبية والعلمية ليست ملكا لأحد حتى ولا مخترعها، بل هي ملك لكل أحد شاءها واستطاع الاستفادة منها.
ومما يؤسف له أن النهضة العربية في عصر الدولة العباسية أسست نهضتها على الترجمة، وكان هذا طبيعيا، ولكنها أضربت عن ترجمة الأدب، فترجمت الفلسفة والطب والرياضة والفلك وكل شيء، واستغلت كل معارف اليونان والرومان وغيرهم، حتى إذا وصلت إلى الأدب أغمضت عينها عنه، وسدت الباب في وجهه لأسباب عرضنا لها في ثنايا هذا الكتاب. ولكن مهما كانت الأسباب فقد كان ذلك خسارة كبيرة، نشأ عنها أن صار الأدب العربي - وخاصة الشعر - لا يجري إلا في المجرى الذي شقه الأدب الجاهلي في أوزانه وقوافيه وموضوعاته، فإن فعل ما أتي بعده من أدب شيئا فهو أنه وسع المجرى القديم، ولكنه لم ينشئ مجري جديدا، ولا حفر روافد جديدة تمد المجرى الأصيل، ولو فعلوا لكان لنا تنويع في البحور وتنويع في الموضوعات، ولكان لنا شعر ملاحم وشعر تمثيل، وروايات وقصص استلهم فيها الأدب اليوناني والروماني وغيرهما.
وكان من نتيجة هذا الإضراب عن استغلال الآداب الأخرى أن توجه كل النشاط الأدبي إلى الأنواع المأثورة لا الأبواب المفتوحة، فأصبح الأدب العربي غنيا كل الغنى في بعض أبوابه، فقيرا كل الفقر في بعض أبوابه، مما لا مجال هنا لبيان ذلك، فلعل القارئ يصل إلى هذه النتيجة بنفسه إذا هو قرأ هذا الكتاب.
أملت ألا تقع نهضتنا الحديثة في الخطأ الذي وقعت فيه نهضتنا القديمة، وتمنيت أن تنقل إلينا الآداب الأخرى كاملة، فيكون لنا كتاب بل كتب في الأدب اليوناني، ومثلها في الأدب الروماني، ومثلها في الأدب الهندي، وكتاب في الأدب الإنجليزي الحديث، ومثله في الأدب الفرنسي، ومثله في الألماني، ويقوم بوضع كل كتاب المتخصصون في موضوعه، وأشرف على هذا العمل وأوجه إليه؛ ولكني رأيت هذا العمل مع كماله وقيمته يتطلب السنين الطوال، والمجهود المحفوف بالعقبات والصعاب. ومع هذا فقد لا يكون هذا العمل أوجب شيء الآن، ولا بد أن يبدأ بألف باء قبل قراءة الجمل؛ ورأيت أن ربما كان من الخير أن نبدأ بعرض الآداب المشهورة عرضا قريبا، حتى إذا استساغه القراء وتفتحت نفوسهم لمادة أوسع وغذاء أوفى، كان ذلك الخطوة الثانية بعد الخطوة الأولى، وقام بها من يأتي بعدنا، ويكون أوسع في الأدب والعلم حظا منا؛ سنة التطور الطبيعي.
ولكن خفنا - إذا نحن اعتمدنا على الكتب الإفرنجية التي كتبت في هذه الموضوعات - أن نقع في أخطاء قد تكون هذه الكتب وقعت فيها، أو أن تكون قد انحرفت عما ينبغي أن يختار، أو نحو ذلك من وجوه الزلل. ولسنا ندعي التخصص في كل أدب، ولا العلم العميق في كل فن، فرأينا - توفيقا بين الرغبة في إنجاز هذا العمل الهام، وبين الأمانة العلمية - أن نعرض كل فصل على المتخصصين فيه؛ فعرضنا فصل الأدب العبري على الدكتور فؤاد حسنين، وقد أعاننا كثيرا على تحضيره، كما عرضناه على الأستاذ عطية الإبراشي فأقره. وعرضنا الأدب اليوناني على الدكتور محمد مندور، فقرأه بعناية، وأفادنا فيه فوائد كثيرة، ولم يوافقنا على وجهة نظرنا في فصل التاريخ، فكتبه من جديد كما نشر في هذا الكتاب. وعرضنا فصل «دانتي» على الدكتور حسن عثمان؛ وعرضنا الأدب الفارسي القديم على الدكتور عبد الوهاب عزام، فزاد فيه، وكتب فصل الأدب الفارسي في العصور الوسطى، فلهم جميعا منا وافر الشكر.
ومع هذا فمحال أن يخلو مثل هذا المشروع الضخم من خطأ بل أخطاء، فقد نكون أجملنا حيث يجب التفصيل، أو فصلنا حيث يجب الإجمال، أو اخترنا ما غيره خير منه، أو اعتمدنا في الترجمة على نص إنجليزي، والنص اليوناني الأصيل يخالفه بعض المخالفة، أو نحو ذلك. ولكن هذا مدى جهدنا، وهو ما استطعنا، ولنا الشرف أن نسمع نقد الناقد والمرشد إلى الخطأ والموجه إلى الصواب.
ناپیژندل شوی مخ
وتأتي عقبة أخرى شائكة جدا، وهي ترجمتنا النماذج اليونانية أو الرومانية أو الهندية أو غير ذلك إلى اللغة العربية، فقد بذلنا في ترجمتها جهدا شاقا، وحاولنا أن ننغمها جهد طاقتنا، ثم بعد ذلك قد لا يستسيغها القارئ، وقد لا يحس من جمالها ما يحس قارئ الأصل بلغته، وهذا طبيعي، وخاصة الشعر؛ فقد أدرك كل من حاول ترجمته أن من المحال نقل جماله من لغة إلى لغة، فكل كلمة شعرية لها معنى معجمي (تفسره المعاجم)، ولها هالة حولها تكونت من وسطها وبيئتها ودلالتها الالتزامية وغير ذلك. وللبيت في لغته نغمة موسيقية وحلاوة صوتية، وإشارات اجتماعية، وأساليب تقليدية، وإيماءات تبعث إلهامات، فإن استطاع المترجم أن ينقل المعاني المعجمية، فلا يستطيع أن ينقل الهالات والنغمات والإيماءات. ومع هذا فشيء خير من لا شيء، وعصفور في اليد خير من كركي في الجو.
ومعذرة لرجال الآثار المصرية، فقد رأينا ما ترجموه، قد راعوا فيه الترجمة العلمية، فحولنا ما اخترنا من تراجمهم إلى لغة أدبية لتناسب موضوع الكتاب، كما رأينا ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة العربية لا يتفق والذوق الأدبي للغة العربية، لا من حيث لغته، ولا من حيث أسلوبه، فأنشأنا ما اخترناه إنشاء عربيا جديدا مع المحافظة على المعنى ما وسعنا.
وحزرنا أن يقع الكتاب في ثلاثة أجزاء: الجزء الأول في أدب العصر القديم وأدب العصور الوسطى، والجزء الثاني في الأدب من بدء النهضة إلى أول القرن التاسع عشر، والجزء الثالث في أدب القرن التاسع عشر إلى اليوم. وسنذكر في آخر الكتاب المصادر التي اعتمدنا عليها إن شاء الله.
والله المسئول أن ينفع به، ويعين على إتمامه.
أحمد أمين
5 جمادي الثانية سنة 1362ه
8 يونيه سنة 1943م
قصة الكتابة
أرأيت إلى صفحة مطبوعة تنشرها أمامك؟ إنها لتنشئ فصلا رائعا من قصة ممتعة ترجع فصولها الأولى إلى الماضي السحيق، وهي قصة بلغت من السعة والعمق مبلغا يستحيل على إنسان واحد أن يلم بأطرافها. ومن ذا الذي يدري متى وأين بدأت هذه القصة في الظهور، وماذا تبديه في مستقبل الأيام؟ وما ظنك بقصة كتبتها الإنسانية كلها منذ دب على ظهر الأرض إنسان؟
بل إننا اليوم أجزاء حية من هذه القصة ، فلنبدأ حيث نقف اليوم، ثم لنعد مع السنين القهقرى حتى نبلغ من الرواية بدايتها؛ فعيناك قد ألفتا أن تنظرا إلى صفحات مطبوعة، حتى لم يعد يستوقف هذا الضرب من الكتابة منك النظر. وعلام تعجب وأنت ترى الصحيفة اليومية المطبوعة في انتظارك كل صباح على مائدة الإفطار؟ دراهم معدودة كفيلة أن تأتيك بآية الآيات من رفيع الأدب، مطبوعة في كتاب أنيق جميل، فأصبحت وكأنما إخراج المطابع للكتب أمر مألوف لا دهشة فيه ولا عجب، مع أنه في حقيقة أمره يستثير كل عجب وإعجاب. انظر إلى هذه الوسائل التي تتوسط بين قلم الكاتب وعقل القارئ؛ فلعل أعجبها هي المطبعة التي قد يكون لها من الأثر في المدينة الحديثة ما ليس لعامل آخر على الإطلاق؛ وقبل أن تدور من المطبعة عجلاتها لا بد أن تكون آلات أخرى قد أخرجت الأحرف مسبوكة جميلة الرسم بديعة التنسيق؛ ولا خير في هذه الأحرف إن لم تكن مصانع الورق قد أخذت تخرج من لباب الشجر وبالي الخرق مثل هذا الذي تسرح فيه بصرك من ورق صقيل جميل. فإذا ما أعد ذلك كله، أخذت المطبعة تفيض بأوراقها المطبوعة لتسلمها إلى آلات تطويها فتغلفها بين جلدتين، فإذا هي كتاب منشور بين يدي قارئ في ناحية من نواحي الدنيا الفسيحة الأرجاء.
ناپیژندل شوی مخ
سر خطوة قصيرة إلى الوراء لتبلغ عصرا كان يجهل قوة البخار والكهرباء، فكانت المطابع - كسائر آلات الصناعة - تدار بالأيدي، فماذا ترى؟ ترى القوم يخرجون الكتب متقنة الصنع جميلة الشكل، إذ كانت تطبع على ورق من ألياف التيل، فعوض آباؤنا من قلة النسخ المطبوعة من الكتاب الواحد متانة الصناعة التي تؤدي إلى طول البقاء؛ وهكذا حسنات الرقي كثيرا ما تتبعها السيئات، ونواحي الإصلاح كثيرا ما تلاحقها نواح من الفساد. فلئن كان آباؤنا قد طبعوا كتبهم بمطابع الأيدي، على ورق من صنع الأيدي، فلقد أخرجوا كتبا أقوى بناء من معظم ما تخرجه مطابع اليوم، وأبقى على وجه الدهر؛ إذ الورق الذي نستخدمه اليوم مصنوع من لب الخشب، ممزوجا بأحماض قوية، فسرعان ما يصفر وجهه وتضعف قواه، ولولا تلاحق الطبعات للكتاب الواحد لأسرع إليه الزوال. على أن آباءنا إلى جانب ما كان لهم من كتب متينة، كانت لهم طباعة رديئة، فكم صغرت الأحرف ودقت حتى أجهدت أبصار القارئين، اقتصادا للورق، فضلا عن قلة الكتب وارتفاع ثمنها، فلم يكن في مستطاع كثير من الناس أن يقتنوها.
إلى هنا قد خطونا إلى الوراء خطوتين هما: عهد المطبعة تدار بالكهرباء، وعهد المطبعة تدار بالأيدي. ثم قف لحظة وقفة إكبار وإعجاب أمام دكان صغير لرجل ألماني عاش في منتصف القرن الخامس عشر، وهو يوحنا جوتنبرج،
1
الذي يعد - بحق - أبا الطباعة غير مدافع؛ فهو الذي ابتكر وسيلة لصب الحروف بحيث يمكن نقلها وتحريكها، فيسهل رصها في سطور وصفحات. وليتنا ندري أي كتاب أخرج هذا الطباع الخالد، فليس في المتاحف كلها كتاب يحمل اسم جوتنبرج؛ غير أن الأناجيل اللاتينية التي ما يزال بعضها باقيا، يرجع الفضل في طبعها إليه مع نفر من الأعوان والأتباع. ولنذكرها عبرة من عبر الزمان أن هذا المخترع العظيم - ككثير غيره من رجال الاختراع ممن يدين لهم العالم بالفضل الجزيل - قد دفعته الحاجة أن يرزح تحت عبء من الدين، لم يكن له بوفائه قبل، فجاءه الدائن وانتزع منه ما يملك من أدوات وأحرف، وخلفه لفاقة فموت. وليس من شك في أن ذلك الدائن قد انتفع بما أخذ من جوتنبرج، فلم يمض على الدنيا نصف قرن من الزمان حتى انتشرت الطباعة على وجه أوروبا من الشمال إلى الجنوب.
ثم ماذا قبل المطبعة والطباعة؟ تابع الرحلة إلى الماضي البعيد حتى تبلغ عهدا لم تعرف فيه أوروبا كيف يكون الورق، أو عرفت منه القليل الضئيل؛ إذ الورق صنيعة أهل الصين، ثم أهل مصر، وعنهم أخذ العرب الذين علموا صناعته لجيرانهم من أهل الغرب؛ فالأوروبيون مدينون بهذه المادة - التي لها من القيمة في تقدم العلوم ما لها - لثلاثة أجناس من أجناس البشر، وهم الصينيون والمصريون والعرب.
وقبل أن يذيع استخدام الورق، كانت تكتب الكتب والوثائق والرسائل على نوع خاص من الجلد؛ والجلد بطبعه طويل البقاء بطيء البلى، فما نزال نرى في المتاحف صفحات من الجلد خطت كتابتها منذ ثلاثة آلاف عام على أقل تقدير؛ فالغنم والأبقار التي تغذي أجسامنا بلحومها، قد أتمت على الإنسان نعمتها فوهبته جلودها، لا لينتعلها ولا ليلبسها فحسب، بل ليتخذ منها حافظا أمينا يصون له ذخر الآداب مدى آلاف السنين.
وكان الفرس يكتبون في جلود الجواميس والبقر والغنم. وكانت العرب تكتب في أكتاف الإبل وفي العسب - وهو جريد النخل يكشفون الخوص عنه ويكتبون في الطرف العريض منه - كما كانوا يكتبون في اللخاف، وهي الحجارة البيض الرقيقة، وأحيانا يكتبون في الجلد. وفي هذا كله كتب القرآن الكريم أول ما نزل في عهد النبي، فكانوا يكتبون الآيات في العسب واللخاف وعظام الأكتاف والأضلاع والأدم (الجلد).
ولقد حفظت لنا الكتب المكتوبة على الجلد الجزء الأعظم من تراث الأدبين اللاتيني واليوناني، كما حفظت أكثر ما خطه الإنسان في القرون المسيحية الوسطى التي امتدت أربعة عشر قرنا؛ فقد أخذ النساخ يكتبون على صفحات من الجلد المتين ما وجدوه مكتوبا على أوراق البردي المهلهلة من آيات الأدب القديم، وكان هؤلاء النساخ - من الرهبان والقساوسة - يتخذون من الأديرة ملاذا للعمل والمأوى، تلك الأديرة التي ظلت قرونا عدة آمن ما يلوذ به رجال العلم من مكان. وليس من شك في أن هؤلاء النساخ قد وجهوا همهم الأكبر فيما ينسخون إلى الكتب المقدسة، فنسخوا الإنجيل وسائر المخطوطات التي منحوها التقديس. على أن بعض هؤلاء النسخة من الرهبان قد اتجهوا إلى إحياء الآداب القديمة؛ فكم من راهب أنفق جهده في إخراج كتاب أدبي، أو في تحقيق نص مجهول. وها هي ذي متاحف الفن ودور الكتب تحوي نماذج فخمة من هذا العمل الجليل الجميل، ولا نزال نشاهد بعض هذه الكتب التي نشروها وزخرفوها بأحرف مذهبة وألوان ناصعة كأنما نقشت بالأمس القريب.
ولئن كان استخدام الجلد للكتابة يرجع عهده إلى ماض سحيق، إلا أنه لم يكن شائعا؛ فلو كنت ممن عاشوا في روما أو أثينا قبل القرن الرابع الميلادي وأردت أن تبتاع نسخة من كتاب لفرجيل
2
ناپیژندل شوی مخ
أو هومر،
3
لما ظفرت به مكتوبا على صفحات الجلد، بل لوجدته يباع مكتوبا على مادة من الورق صنعت من ألياف نبات جاف هو البردي؛ والبردي نبات مائي قوي ينمو في مصر، تؤخذ سوقه وتشق وتضغط وتجفف، ثم تصنع منها الأوراق. وكانت مصر تبعث بهذه الأوراق البردية إلى اليونان وإلى روما وغيرهما من البلدان المجاورة، وعلى هذه الأوراق كانت تكتب روائع الأدب اليوناني والأدب اللاتيني، حتى شاع استخدام صحائف الجلد.
إن العالم إذ يذكر قدماء المصريين بالإعجاب، يرى أول ما يستثير إعجابه أهرامهم الشوامخ، وما خلفوا من أنفس الذخائر في مقابر ملوكهم، ولكن تلك الآثار على جلالها وخلودها لم تضف إلى المدنية ما أضافته هذه اللفائف الضئيلة الهزيلة من أوراق البردي، التي أتاحت للمصريين وسائر أمم البحر الأبيض أن يسجلوا أفكارهم فيخلدوها. ولم يقف فضل المصريين على المدنية فيما يتصل بالكتابة أن صنعوا الورق في صورته الأولى، بل لعلهم كذلك أول شعب ابتكر كتابة تمثل الحروف المنطوقة، فأثروا بذلك في سير المدنية تأثيرا قويا مباشرا.
وكان المفتاح الذي يفتح مغاليق كتابتهم مفقودا مدى قرون طوال، ثم أراد الله لأصحاب العلم أن يفكوا تلك الرموز في عهد حديث، لا يذهب في الماضي إلى أكثر من قرن واحد، وذلك حين وجد «بوسار»
4 - وهو مهندس في حملة نابليون على مصر - حجر رشيد المعروف، وهو حجر نقش عليه بيان طويل أصدره القساوسة المصريون تكريما لأحد ملوكهم. والبيان منقوش على الحجر في ثلاث لغات: نقش بالأحرف الهيروغليفية، وباللغة الديموطيقية - وهي لغة كان يتكلمها أهل مصر حين نقش الحجر - كما كتب باللغة اليونانية. ولما كانت اليونانية لغة معروفة مألوفة، أمكن بعد جهد طويل أن تقارن بها الكتابة المصرية وتحل رموزها. ويرجع الفضل في هذه المقارنة وفك الرموز إلى العالم الفرنسي شامبليون.
5
وأصبح اليوم يسيرا على عالم الآثار المصرية أن يقرأ المكتوب على المسلات والتوابيت، بل استطاع علماء اليوم أن ينطقوا أبا الهول بعض سره المكتوم.
فإذا جاوزت مصر إلى ما يجاورها من بلاد الشرق، ألفيت فينيقيا على الساحل الشرقي للبحر الأبيض، وصادفت في أبنائها شعبا يعمل ويتاجر، ولا يخصص من مجهوده للثقافة إلا قليلا. ومع ذلك فقد أريد لهؤلاء الفينيقيين أن يكونوا بحق أصحاب الفضل علينا في كل كتاب نطالعه، لأنهم هم الذين أنشئوا حروف الهجاء مكان الكتابة المصورة التي اصطنعها المصريون من قبل! ولا بد أن تكون هذه الأحرف الهجائية قد نشأت عندهم قبل الميلاد بما يقرب من ألف عام؛ حيث كان استخدام البردي شائعا معروفا؛ وأتاح وجهه الصقيل للكاتب أن يجري عليه كتابة مرنة سهلة كهذه الكتابة التي ابتكرها الفينيقيون، ومن يدري؟ فلعل الفينيقيين أن يكونوا قد اتخذوا من هذه الكتابة سلعة تباع فتعود على أصحابها بربح وافر؛ فقد كانوا يشترون من مصر فيما يشترون أوراق البردي، ثم يبيعونها إلى اليونان وغيرهم مضافا إليها ما ابتكروه من أحرف الهجاء.
فإذا خطوت في أغوار الماضي خطوة أخرى قبل عهد البردي، بلغت زمانا كانت مادة الكتابة فيه من الجوامد الثوابت التي لا تكاد تنتقل من مكانها، وذلك هو بمثابة العصر الحجري للعلوم والآداب؛ إذ كان المصريون الأوائل وغيرهم من الشعوب القديمة ينحتون ما يكتبون على عمد وجدران؛ ولكن لولا أن أسعفت الكتب هاتيك الأحجار لفني ما خط عليها في عهد قريب أو بعيد، لأن الزمان الذي يأكل كل شيء يبيد جلاميد الصخر فيما يبيد. زد على هذا أن الكتب قد يسرت للعلم المنقوش على الحجر أن يدور بين قراء العالم في سهولة ويسر؛ وإلا فكيف كانت تكون مكتبة جدرانها من الصخر ومكنوناتها من الصخر؟ وكيف تكون مثل هذه المكتبة ذات نفع لقارئ يطالع في داره مستدفئا بنار مدفأته، أو مستلهما هدوء مكتبته؟
ناپیژندل شوی مخ
ولئن كان المصريون الأولون ينقشون آثارهم على جلاميد الصخر، فقد كانت بابل تكتب آثارها على ألواح من الطفل، وهي أيسر من تلك حملا وأخف ثقلا، وإن كانت أسهل كسرا، ولكن على الرغم من خفتها فأين هي من الكتاب المطبوع؟ وإن أردت أن تقدر نعمة هذا العصر - عصر المطبعة - فسائل نفسك كيف يكون الأمر إذا أنت طلبت إلى بائع الكتب في عصر الكتابة على ألواح الطفل أن يبعث إليك بنسخة من كتاب جديد؟ عندئذ تجيئك عربات مثقلات بأحمال من اللبنات! قد يسأل: وهل كان يحدث ذلك أيام البابليين؟ والجواب أنه لم يحدث، لأن القراءة الشعبية لم يكن لها وجود، ولم يكن يعرف القراءة والكتابة إلا نفر قليل من القساوسة والنساخ، وكانت الكتابة مقصورة على موضوعات الدين وأعمال الملوك.
لكن الآداب والعلوم مدينة في تقدمها - أيضا - لاستخدام مادة للكتابة فيها خفة ونعومة ومرونة، لتهون الكتابة عليها، فيسهل تسجيل الأفكار فيها وتبادلها. وثمة مادة توفرت لها المتانة والخفة وسهولة الاستعمال، وتلك هي الخشب؛ فهو إذن جدير من هذه القصة بمكان ظاهر؛ فعلى ألواح شقت من أشجار الزان كان «السكسون» القدماء يكتبون؛ فاذكر بعد اليوم إن قرأت كتابا تحت شجرة أن من هذه الشجرة التي تمدك بالظل، جاء هذا الكتاب الذي يمدك بالنور.
فمن الصخر الذي نقش عليه الأقدمون، نبتت الشجرة التي كتب على أخشابها وقشورها المحدثون، وعلى أفنانها اتخذت الطيور أعشاشها، فاستمد الكاتب منها «ريشته»، وفي ظل هذه الشجرة - شجرة النور والعرفان - يجلس الإنسان ليقرأ الكتب وينشئ الأفكار.
قد تطالبنا الآن أن نقيس لك هذه الأعصر المتعاقبة بعضها إلى بعض، ونحن عن ذلك نجيب: تصور تلا من الكتب يرتفع ما ارتفعت إحدى نواطح السحاب، ثم اجعل هذا التل يمثل ما لبثه الإنسان على وجه الأرض من قرون؛ فالكتاب الذي في الذروة يمثل عصر الكتاب المطبوع، والكتب الثلاثة أو الأربعة التي تليه تمثل عصور الكتابة اليدوية على صحائف الجلد والبردي؛ والكتب الستة التي تجيء بعد ذلك تمثل عصور النقش على الصخر والآجر والخشب، فإن هبطت بعد ذلك في تل الكتب بضعة أقدام، صادفت ترقيما وتصويرا ونقشا، خلفه الإنسان الأول ولم ندخله في عصور الكتابة لأن تفسيره عز على أفهام العلماء. ثم ماذا في بقية التل وقد بقي جزؤه الأكبر؟ كلها كتب صحائفها بيض، إما لأنها تمثل عصورا طويلة لم يكتب فيها الإنسان، وإما لأن الزمان قد أتى على ما خط في صحائفها فمحاه من صفحة الوجود.
نشأة الأدب
انتهى بنا الفصل الأول إلى أن الجزء الأعظم من تاريخ الإنسان خلا من كتابة وكتاب، وأنه لو كان لأسلافنا الأولين أدب فقد ذهب أدراج الرياح؛ ولكنا نرجح أن ذلك العصر الطويل الذي خلا من الكتابة لم يخل من أدب؛ فليس من شك في أن القوم عندئذ كانوا يتفاهمون ويبعثون الرسل بالكلام المنطوق، وإن عز عليهم أن يثبتوه في مكتوب، فنحن على حق إن زعمنا أن الإنسان تكلم قبل أن يكتب.
لا بد أن تكون الأفكار - وهي أحد عناصر الأدب - قد أنشئت قبل أن تدون بزمان طويل؛ فقد كان آباؤنا الأولون الذين سكنوا الكهوف يجلسون حول النار يستدفئون، ثم يأخذون في قص الأقاصيص حول ما صادفهم من الحيوان في صيد النهار، وما وقع لهم مع جيرانهم من ضروب القتال والنزال. ولا بد أن يكون أولئك الآباء قد أنشئوا القصص حول آلهة الأنهار والأشجار. ومن ذا يشك في أن القوم كانوا بعد عناء النهار يجلسون فينشدون الأناشيد، وأنهم كانوا يلقنون الأبناء حكمة الآباء؟ صنعوا ذلك فوضعوا أساس الأدب، بل وضعوا كذلك أساس القانون والأخلاق والدين.
إن هذا الذي نزعمه قائم على أساس متين من الشاهد والبرهان؛ فأولا: ليست أقدم القصص المكتوبة التي وصلت إلينا صبيانية فارغة، بل هي مملوءة بالحكمة وتجارب الأيام، ولا يمكن للإنسان أن يخلق مثل هذه القصص بين عشية وضحاها، بل لا بد لها من قرون طوال تنشأ فيها وتنمو؛ وثانيا: لا يزال يعيش في أنحاء الأرض هنا وهناك أقوام من البشر في طور الجاهلية الأولى، فهم لذلك يشبهون أولئك الأسلاف الأولين؛ ولهؤلاء الأقوام قصص وقوانين يرثونها جيلا عن جيل، من غير تسجيل؛ فالأرجح أن يكون أسلافنا كهؤلاء: فكروا وعبروا قبل الكتابة والتدوين.
إذن فقد لبث الأدب زمنا طويلا يعتمد على الرواية قبل أن يعتمد على الكتابة، ولا يزال الجبليون الأجلاف في أمريكا يرددون القصائد الطوال التي هبطت إليهم من أجدادهم النازحين من إنجلترا في ماض بعيد. ولقد قام بعض العلماء بمقارنة ما ينشده هؤلاء الجبليون من القصائد بأصلها، ليروا كم أصابها من التلف حين اجتازت هذا الشوط البعيد في ذاكرات الحافظين، فوجدوها محتفظة بروحها الأولى، وإن يكن قد أصاب ألفاظها تبديل يسير. وكلنا يعلم كم ظل الأدب العربي يرويه اللسان ولا يكتبه القلم، وحسبنا ذلك دليلا على أن الأدب قد يزدهر بين قوم لا يكتبون.
وإذن فلم تخل حياة الإنسان من أدب في مرحلة من مراحلها؛ غير أن الإنسان قد أنشأ الشعر وأنشده قبل أن يكتب نثرا فنيا؛ فالشعر لغة الوجدان والنثر الفني لغة العقل. وإن الإنسان ليشعر بوجدانه قبل أن يفكر بعقله.
ناپیژندل شوی مخ
فالهمجي الذي عاش قبل التاريخ عاريا في الغابات، يتسلق أشجارها ويقفز بين أغصانها صائحا: «را، را، را، بو، بو، بو» هو الواضع الأول لأساس الشعر المنظوم؛ فقد أخذت هذه الصيحات الأولى تصاغ في أناشيد قبل أن يبتكر الإنسان ألفاظ اللغة للتعبير عن أفكاره؛ حتى إذا ما جاء طور اللفظ، كانت قد أعدت قوالب الشعر وأوزانه، فانصب فيها اللفظ الجديد، فكان منه شعر منظوم مفهوم، بعد أن كان الشعر صيحات يمرحون بها في الرقص، ويهتفون بها في الغضب، ليهب الناس للقتال، ويناغمون بها وقع المجاديف في الماء، أو وقع أقدام الإبل في الصحراء.
كان الشعر - إذن - أول مراحل الأدب، فلما سارت الإنسانية في طريق المدنية شوطا، وبلغت حد الترف والفراغ، هدأت العاطفة الحادة بعض الشيء، وزاد التفكير المنظم، فلما عبر الإنسان عن تلك الأفكار جاء تعبيره نثرا. ولسنا بالطبع نعني بهذا أن الإنسان بدأ يتكلم شعرا بل هو بدأ يتكلم نثرا غير فني، ولكنه لما أراد أن يعبر عن عواطفه بطريقة فنية عبر عنه شعرا ثم نثرا فنيا، كما أنا لا نعني أن الشعر ظهر ثم زال ليفسح المجال للنثر الفني، بل إن الإنسان - في كل عصر حتى في عصر المدنية - كلما جاش صدره بالعواطف الحادة لجأ إلى الشعر، وقد يزخرفه بمحسنات صناعية تجعل للألفاظ والأنغام وقعا في آذان السامعين، فقد ظل الشعر ألوفا من السنين يقرض لينشد في صوت مسموع، لا ليقرأ في صمت على ورق مطبوع؛ فكان الشاعر بمثابة الممثل، يتفنن في إخراج اللفظ ليبلغ الغاية في امتلاك القلوب.
ويكاد الشعر يتطور في مراحل معينة في كل عصر وفي كل أمة، فهو يبدأ صورة ساذجة للتعبير عن العواطف، ثم يستخدم المحسنات اللفظية، ثم يمعن في ذلك حتى تختفي العاطفة نفسها وراء زخرف الألفاظ، ثم يثور الناس والشعراء على المبالغة في الصناعة فيرتد الشعر مرة أخرى إلى التعبير البسيط عن العواطف.
كان الشعر أول الصور الأدبية ظهورا، وكان الكهان من أول الأدباء المنشئين، فهم الذين صاغوا أناشيد الحرب وقصص الأبطال وعقائد الدين في قالب الشعر ليسهل على الناس حفظها. ثم أخذ الأدب بعدئذ يتطور في صوره كلما تطور المجتمع في أوضاعه؛ فليس الأدب سوى ظاهرة اجتماعية تنشئها العوامل الطبيعية التي تنتج كل الظواهر الاجتماعية الأخرى. والاجتماع قائم على أساس المادة، أي على أساس الغذاء، يتطور المجتمع ويترقى كلما تطور مورد الغذاء وتكاثر.
فكلما توافر الغذاء وسهلت أسبابه، أصبح المجتمع قوة منظمة، وأخذ يسعى - وقد استتب له النظام والطمأنينة - نحو الرقي الأدبي. فحياة الإنسان الأولى كان نظامها المختل غير المستقر نتيجة حتمية لتيهانه في الأودية والأصقاع، ينشد الصيد الذي يقتات به؛ فكان الأدب بين تلك القبائل الأولى متواضعا، لا يزيد على أنغام تتم على توقيعها حركات الرقص، فإن تعدى ذلك فإلى غناء يتكون من لفظة أو لفظتين، وإلى قصص خرافي حول آلهة الأشجار والأنهار وما إليها من ظواهر البيئة، فإذا جاءت مرحلة الرعي استتب لقبائل الرعاة نوع من الاستقرار، ولم يعد الإنسان معتمدا في قوته على مجرد المصادفة العارضة، بل أصبح مورد غذائه مكفولا نوعا ما، وتوفر لديه بعض الأغذية الزائدة عن حاجته، فأحس شيئا من الاطمئنان نحو المستقبل، ووجد بعض الفراغ في الوقت والفكر يصرفه في التفكير والأدب، وانفسح المجال بعض الشيء أمام الشخصية الفردية لتظهر، بعد أن كانت معدومة بكل معاني الكلمة في الإنسان الأول الذي يحترف الصيد. أما وقد توفر القوت، فكان من الطبيعي أن يستولي الرجال الأقوياء على القوت المدخر، ويصبحوا قادة لإخوانهم، وإن كانوا قادة تقيدهم تقاليد القبيلة إلى حد كبير.
هذا النظام الاقتصادي وما يتولد عنه من نظام سياسي، ينعكس تأثيرهما على الأدب الشفوي للقبيلة، لأن الأدب هو التعبير الجميل عن العاطفة والإرادة والخلق، فترى الأدب الذي يزدهر في مثل تلك المرحلة شعرا حماسيا يشيد بالخلال التي يتحلى بها رئيس القبيلة المسيطر على المجتمع، أو بمزايا القبيلة نفسها، أو بهجاء من عاداها من أفراد وقبائل أو نحو ذلك. •••
ثم يظهر نظام الأوتوقراطية (نظام الحكم المطلق) في أمم وجماعات نشأت في أراض قريبة من البحار والأنهار الكبيرة؛ أراض تنبت غلات غذائية وافرة، فيصبح المدخر الغذائي أكثر مما كان، وتتسرب ثروة البلاد إلى أيدي الذين استولوا على معظم السلطة، فيصبح الملوك وفي استطاعتهم أن يعتلوا ذروة الرفعة والمجد، وأن يمتلكوا أقصى الثراء والغنى، ولا يعود المجتمع كما كان قبل؛ مجموعة من الرعاة القبليين يرأسهم من لا يكاد يزيد عليهم في الثروة، بل يصبح الملك ومعه قليل من الرؤساء في طبقة، وتصبح عامة الناس في طبقة أخرى، فيلجأ الرجال الذين وهبوا ملكات ممتازة إلى التغني بالترانيم والشعر القصصي، يشيدون فيه بمجد الملوك والقادة، ومجد الآلهة والأبطال الذين بنوا صرح الأوتوقراطية؛ ومعنى هذا أن أدب الأوتوقراطية - المتمثل في الترانيم والملاحم - ليس إلا مجرد ظاهرة اجتماعية أنتجتها الظروف المادية.
في هذا الطور الأوتوقراطي لا يعتمد المجتمع على ما بين أفراده من وحدة الدم ورابطة النسب، بل يكفي لارتباط الجماعات سيطرة الملك على البلدة الأصلية والبلاد المجاورة، بوسائط الحرب أو بالوسائل السياسية. وفي مقابل الولاء الذي يقدمه رؤساء هذه البلاد يتعهد هذا الملك أو الرئيس الأكبر بحمايتهم من العدوان الأجنبي.
هذه الجماعات المتفاوتة في النزعات، المتنوعة في الأغذية، تخضع كلها لقانون واحد، وتصبح معاملاتها المتبادلة حافزا على الاختراع والابتكار، ويوسع ذلك من أفقها الفكري الذي لا يخطو المجتمع بدونه نحو المدنية والحضارة، ويشجع - من طريق مباشر أو غير مباشر - التجارة الأجنبية، لتجد الأوتوقراطية سوقا تصرف فيه صناعتها وغلاتها.
وإذ تتنوع حاجات الناس وتتعدد مطالبهم تتعدد كذلك أشكال الأدب؛ إذ الإنسان في هذا الطور يكون قد تقدم فكره واتسعت تجاربه، فأدبه يرقى بتعلمه من هذه التجارب، وتعلمه إتقان التعبير عنها.
ناپیژندل شوی مخ
ثم إن تغير الوسيلة التي يقيد بها الأدب - من المشافهة والرواية إلى التقييد بالكتابة - يدفع الأدب في سيره إلى الأمام، فالكتابة هي التي ستنتشل الأدب الأوتوقراطي، والأدب الديمقراطي من بعده، من أصوله البدائية إلى مكان أسمى ومنزلة أرفع.
في هذا العصر الأوتوقراطي نجد الأمم المتمدنة القديمة قد عرفت التمثيل، وأدارته حول موضوعات دينية وأساطير خرافية فاضت بها الروح الأدبية أكثر مما كانت في العصور القبلية - نجد ذلك في «بابل»: فكان الملك والكهنة يشاركون في الحفلات الدينية، التي كانت نوعا دينيا من المسرحية، وكان المعبد يقوم مقام المسرح، وكان لمصر القديمة كذلك رقص وموسيقى، وكان لها مسرحيات دينية تصطبغ بصبغة العقائد المقدسة، ولم يكن الكهنة وحدهم هم الذين يقومون بالتمثيل في هذه الروايات، بل كان العامة يشاركون فيها أيضا - وكان لليونان القديمة التي وصفها هوميروس الشاعر، أعيادها المقدسة تقام فيها حفلات التمثيل والرقص والغناء.
كل ذلك على نمط أرقى مما كان عليه البدو أيام بداوتهم.
كما نرى الشعر يتطور في هذا العصر الأوتوقراطي، سواء في ذلك الشعر الغنائي الذي يعبر عن العواطف أو الشعر القصصي كشعر الملاحم؛ فأغاني الحرب والزواج ترتقي في أسلوبها وعاطفتها وتصبح أكثر تجانسا وانسجاما؛ ونرى شعر المغنين المحترفين آخذا مكان شعر العامة، أعني أن الشعر الذي يقصد الشاعر إلى إنشائه، ويحتفل لإنشاده، آخذ في الحلول محل الشعر الذي تولده المصادفة؛ وأصبحت صولة الجمال وانصقاله بالحضارة يعمل في الشعر بالنمو والتزايد والصقل؛ ورأينا الشاعر يأخذ في التعبير عن الحياة الإنسانية الباطنة - حياة العاطفة - وعن الحياة الإنسانية الظاهرة - حياة الخلق والسلوك - وأخذت البحور والأوزان تتنوع وتتعدد بسبب نمو الخيال المبتكر ودقة الأذن الموسيقية.
وكذلك الشعر القصصي، فهو يبلغ ذروته في هذا الطور الأوتوقراطي، ويرجع ذلك إلى السلطان المطلق، والتملك التام، والثروة الوافرة؛ فلا شيخ القبيلة في الطور القبلي، ولا الرئيس في الطور الديمقراطي، يملكان مثل هذه السيطرة المطلقة. فكثير من الأمم في هذا الطور كان يعتقد أن الملك يستمد سلطانه من الله لا من الأمة، فتصبح هذه الفكرة شعارا جديدا للأساطير الدينية والخرافات والتهاويل، ويصبح هذا الحاكم المتصل بالآلهة والأبطال الماضين رمزا تنسج حوله أقاصيص التقديس والتبجيل، وعلى الأخص حين يكون هذا الملك بطلا في فنون الحرب، بصيرا بأساليب القتال؛ ومن هنا ينشأ شعر القصص أو شعر الملاحم.
أما النثر الفني في هذا الطور الأوتوقراطي فينشأ حول النصوص الدينية وحكايات السحر والخطابة والرسائل وقصص الجن، ويتسع مداه وموضوعاته أكثر مما كان في العصر القبلي، ويرتقي في الشكل والقالب، وفي الفكرة والموضوع والخيال. نشاهد ذلك في أقاصيص بابل وأساطيرهم، وفي أساطير الهند، وفي قصص المصريين كقصة خوفو والسحرة، وفي أساطير اليونان.
وكان النثر الأوتوقراطي أصعب في الإنشاء من الشعر، ويبدو ذلك جليا من قلة التراث النثري إذا قيس بالتراث الشعري، لأن قواعد موسيقية النثر الفني لم تكن مضبوطة، بل هي حتى في أزماننا ليست مضبوطة مفصلة. ويبدو أن بابل قد فاقت الهند ومصر واليونان الأولى في فن إنشاء الرسائل، كما فاق النثر المصري في باب تحليل الشخصيات. •••
وأخيرا تأتي الديمقراطية ويتنوع فيها النشاط الاقتصادي، وتتعدد صوره أكثر مما كانت، وينشأ رجال يستكشفون ميادين جديدة للحصول على الرزق فيكدسون المقادير الهائلة من الثروة، فينعكس كل ذلك على أوضاع الأدب، كما ينشأ رجال مليئون بروح المغامرة، يزورون الأقطار البعيدة، ويتصلون بثقافتها الفكرية؛ هؤلاء الرجال المغامرون المفكرون لا يرضيهم أن يظلوا في تفكيرهم خاضعين لسلطان حاكم مطلق يبسط على الجميع نفوذه، فيعملون على دك صرح الأوتوقراطية، ويجدون أتباعا يعاونونهم على هدم هذا النظام ووضع أسس النظام الديمقراطي الجديد. وهذا النظام الناشئ قائم على تقدير ذاتية الفرد واستقلاله، فيكون لهذا الاتجاه أثره السريع في الأفكار الجديدة، والمخترعات الجديدة، والصناعات الجديدة، والأوضاع الأدبية الجديدة.
فإن كان الأدب القبلي محدودا بحدود الإقليم، لأنه أدب قوم يعتقدون أنهم يجمعهم أصل دموي واحد، وكان الأدب الأوتوقراطي لا يصطبغ بهذه الصبغة الإقليمية، ولكنه يمجد الطبقة الحاكمة، فالأدب الديمقراطي يعنى بشخصية الفرد المتميزة وذاتيته المتفردة، ويقدر شخصية كل فرد؛ عظيما كان أو وضيعا. فهذا تدرج في الأدب نحو تقدير الفرد وذاتيته، تبع تدرج المجتمع نحو هذا الغرض نفسه.
فالأدب الديمقراطي الحق هو تعبير عن التسامح والعطف، والسماح لحرية الرأي بالظهور. وهذا الأدب الديمقراطي ينبت - أولا - في جماعات يسود فيها النظام الأوتوقراطي فيتكون فيها جماعة من الأدباء والمفكرين ينقدون بيئاتهم ونظمهم الاجتماعية، وينادون بنظام خير من هذا النظام الذي تتحكم فيه طبقة خاصة، فيكونون هم طلائع الأدب الديمقراطي.
ناپیژندل شوی مخ
ويتنوع الأدب في العهد الديمقراطي بأكثر مما تنوع في العهد القبلي والأوتوقراطي، فتعمل الديمقراطية على ترقية الأدب التمثيلي الذي يصور حياة الفرد، وتوجه أكبر عنايتها إلى تحليل حياة العامة والجمهور، لا حياة الأفذاذ من الأبطال والملوك، ويساعدها على ذلك تجمع الناس في مدن محصورة تسمح بالملاحظات اليومية، والتجارب الاجتماعية وتحليل الصنوف المختلفة من الشخصيات الإنسانية، فالأدب التمثيلي الديمقراطي إن لم يعن بحياة البلاط والحياة الدينية الشعبية عناية المسرحية الأوتوقراطية، فإنه يفوقها في الاهتمام بالطبع البشري والجبلة الإنسانية.
وقد كانت أثينا الجمهورية أولى من أقامت المسارح لتسلية الجمهور وتثقيفه، فارتقى الأدب التمثيلي على يدها، وحذت حذوها الأمم الأوروبية عندما اعتنقت الديمقراطية.
كذلك تطور الشعر تطورا جديدا؛ فأكثر الشعر القبلي تظهر فيه روح القبيلة لا روح الفرد، وقلما تظهر فيه شخصية الشاعر نفسه من حيث شعوره وعواطفه الذاتية. وكان الشعر في العهد الأوتوقراطي ينحو نحو تقديس الأبطال وتمجيد العظماء، ومدح الملوك والأمراء، وشغل الشاعر بذلك عن نفسه. أما في العهد الديمقراطي فقد أحس الشاعر شخصيته، وبانت له عواطف ذاتية مستقلة، من حقها أن تظهر وتصور في شعره.
ويظهر أن الشعر القصصي لم يبلغ في العصر الديمقراطي مبلغه في العصر الأوتوقراطي، ولم يعد الناس يقدرونه تقدير الأولين، لأن الأوضاع الاجتماعية تغيرت، فإذا أراد الفكر الحديث المحلل أن يغذي عاطفته القومية بسير الأولين، فإنه يفضل أن يلجأ إلى النثر التاريخي لا إلى الشعر القصصي، وقد حاول بعض الشعراء المحدثين أن ينظم ملاحم كما فعل ملتن في «الفردوس المفقود»، ولكنها مع فضلها لم تبلغ روعة الملاحم القديمة.
فإذا نحن وصلنا إلى النثر رأينا أنه لم يشهد عظمته في عصر من العصور كما شهدها في عصر الديمقراطية، وإنا - وقد ألفنا منذ الطفولة استعمال النثر الفني الكتابي - ليعسر علينا أن نتصور هذه الحقيقة العجيبة، وهي أن العالم اضطر أن ينتظر آلاف السنين قبل أن يجيء هيرودوت وأمثاله فيرتقوا بالنثر إلى مرتبة النثر الفني، كما مر على الأدب العربي مئات السنين قبل أن يرتقي الجاحظ وأمثاله بنثره الفني.
وبينما تصر الأوتوقراطية على أن الفرد وجد للدولة والحكام، إذا بالديمقراطية تنادي بأن الدولة والحكام هم الذين وجدوا للفرد، فكانت هذه العقيدة هي المشجع الأعظم للاختراع والابتكار في كل نواحي الحياة ومنها الأدب؛ فترى النثر يرقى في كل أنواعه، سواء في ذلك التاريخ السياسي والرسائل والمقالات الأدبية والنثر الفكاهي والنثر الفلسفي، ثم نرى ولادة الجريدة والمجلة.
ونرى الاتجاهات الجديدة في النثر ممثلة في النثر المسرحي، وكتب الرحلات، والنقد الأدبي النثري، والرواية الواقعية، والقصة الغرامية والتاريخية، ونرى - باختصار - النثر يحتل أعظم مكان في عالم الأدب في القرن الحاضر.
ولا يدري إلا الله عم يتمخض العالم من نظم اجتماعية وسياسية واقتصادية تؤثر في الأدب فتطبعه بطابعه الجديد، وتوجهه الوجهة الملائمة للبيئة الاجتماعية.
الأدب القديم وبدايته
الفصل الأول
ناپیژندل شوی مخ
الأدب في الشرق القديم
عرفت من حديثنا إليك في نشأة الأدب، أن تاريخه يبدأ قبل الكتابة بزمن طويل. وكان الرقص أول ما ظهر من الفنون، فإذا ما أرخى الليل سدوله على إنسان العصر الأول، رقص الراقصون حول نار يشعلونها ليمرحوا ويفرحوا بعد ما أصابوه من ظفر ونصر على أعدائهم في ساعات النهار؛ وإنهم في رقصهم ذاك ليصيحون ويصرخون من نشوة الطرب، فلا تلبث تلك الصيحات والصرخات أن تتماسك أجزاؤها، وتنسجم نغماتها، بحيث تناسب توقيع الرقص. وهكذا كانت أول أغنية بدأت في تاريخ الأدب أغنية حربية يتغنى بها الظافرون .
وفي الوقت نفسه كانت فكرة الله عند الناس تستوي وتستقيم في أذهانهم؛ فما إن صارت كذلك حتى أنشئوا الصلوات والدعوات يضرعون بها إلى الله، وكلما تقادم الزمن أخذت تلك الأناشيد الحربية، وهذه الصلوات الدينية، تزداد رسوخا بتكرارها جيلا بعد جيل؛ كل جيل يضيف إلى تراث السالفين.
فلما تقدمت بالإنسان حضارته اضطرته الحاجة إلى الكتابة؛ فقد كان لا بد له من طريقة يسجل بها أشياء يخشى عليها النسيان، وكان لا بد له من وسيلة يخاطب بها من يفصله عنه بعد المكان، لهذا اضطر الإنسان الأول - مدفوعا بضرورة الحياة - أن يصطنع طريقة للكتابة. أما وقد كتب فليدون إذن ما كان قد أنشأه من أناشيد النصر ودعوات الدين. ولا شك أن من كان يستطيع الكتابة والقراءة بين أولئك الأقدمين نفر قليل. وأول صورة ظهرت فيها الكتابة لم تزد على نقوش ساذجة، يصورها كاتب، وينحتها على الصخر ناحت، ثم أصبحت الكتابة نقشا بمسمار على أقراص من الطفل المجفف، وقد وجدت في «كلديا»
1
نماذج من هذه القوالب الطفلية، دونت في إحداها قصة الطوفان، ولعلها أن تكون أقدم أثر مكتوب، وهناك شبه كبير بين قصة الطوفان الواردة في سفر التكوين والرواية الكلدانية التي سبقت التوراة بآلاف السنين.
كان الكاتب في كلديا مأجورا للملك يصحبه إلى حومات الوغى وساحات الحروب، ليثبت لمليكه ما يغزو من المدن، وما يفتك به من الأعداء، وما يظفر به من الغنائم والأسلاب، ثم ليشيد قبل كل شيء بإقدام سيده وبسالته في القتال. وكانت الدولة تستخدم إلى جانب هؤلاء الكتاب طائفة من الكهان تنقش على قوالب الطفل الصلوات والدعوات، وطائفة ثالثة تكتب قواعد الزراعة وحوادث السياسة ومبادئ التنجيم. (1) الأدب المصري
ويشارك الأدب الكلداني في القدم أدب المصريين القدماء الذي سجل على الآثار وأوراق البردي. وأقدم كتاب مصري انتهى إلينا علمه هو «كتاب الموتى» الذي دون في عصر بناء الهرم الأكبر، ولا تزال نسخة منه محفوظة في المتحف البريطاني؛ وفيه دعوات للآلهة وأناشيد وصلوات، ثم وصف لما تلاقيه أرواح الموتى في العالم الآخر من حساب، يتبعه عقاب أو ثواب؛ وكانت توضع نسخة من هذا الكتاب مع جثمان الميت في قبره، ليكون دليلا للروح يهديها في رحلتها إلى العالم الثاني. ومن هذا ترى أن الفكرة الأدبية في مصر القديمة ازدهرت بين جدران المعابد، وأن الجزء الأكبر من الأدب المصري كان قائما على أساس الدين، وهاك مثالا لما ورد في «كتاب الموتى» من الدعوات، وهو ما يدافع به الميت عن نفسه أمام قضاته في العالم الثاني:
السلام عليك أيها الإله الأعظم؛ إله الحق. لقد جئتك يا إلهي خاضعا لأشهد جلالك ... جئتك يا إلهي متحليا بالحق متخليا عن الباطل، فلم أظلم أحدا ولم أسلك سبيل الضالين، لم أحنث في يمين، ولم تضلني الشهوة فتمتد عيني لزوجة أحد من رحمي، ولم تمتد يدي لمال غيري، لم أقل كذبا، ولم أكن لله عاصيا، ولم أسع في الإيقاع بعبد عند سيده. إني - يا إلهي - لم أجع أحدا ولم أبك أحدا، وما قتلت وما غدرت، بل وما كنت محرضا على قتل؛ إني لم أسرق من المعابد خبزها، ولم أغتصب مالا حراما، ولم أنتهك حرمة الأموات، ولم أرتكب الفحشاء، ولم أدنس شيئا مقدسا؛ إني لم أبع قمحا بثمن فاحش، ولم أطفف الكيل ... أنا طاهر، أنا طاهر، أنا طاهر، أنا طاهر ... وما دمت بريئا من الإثم ... فاجعلني اللهم من الفائزين.
ولكن إلى جانب هذا الأدب الديني، لم يعدم المصريون القدماء أن يكون لهم أدب في تمجيد الملوك، وأن يكون لهم كذلك أدب شعبي يروي ما يدور بين الناس من قصص وأساطير وحكمة وقانون، ولهم في ذلك كتاب «الوصايا» ل «بتاح حوتب».
ناپیژندل شوی مخ
2
فمن أشهر أساطير المصريين القدماء قصة «أوزيريس»
3
و«إيزيس»،
4
وخلاصتها: أن أوزيريس كان رسول الله في الأرض يحكمها بالعدل، فعلم الناس كيف يفلحون الأرض، وكيف يستخرجون المعادن من بطونها، وكان يلهمه هذه الرسالة «تحوت»
5
إله العلوم والمعارف؛ فلما أراد «أوزيريس» أن ينشر الحضارة في أنحاء الأرض، خلف زوجته «إيزيس» على عرش مصر، وخرج في جيش عظيم أخذ يجول به في البلاد، يعلم الناس هنا وهناك كيف يستثمرون الأرض ليأكلوا من طيبات الله رزقا حلالا؛ ثم قفل راجعا إلى مصر بعد أن أدى رسالته، فكان جزاؤه عند أخيه «سيت»
6
أن أرداه قتيلا؛ فقد تآمر «سيت» مع نفر من حزبه على الغدر بأخيه؛ فأعد في داره وليمة فاخرة تكريما لأوزيريس، وجهز في قاعة الوليمة صندوقا ثمينا زين بالحجارة الكريمة، وكان - لزينته - موضع إعجاب الحاضرين؛ فقال لهم «سيت» مازحا: «لقد وهبت هذا الصندوق لمن يملأ جسمه فراغه في دقة وإحكام.» فأخذ السامعون - وهم المتآمرون - يلجون الصندوق واحدا فواحدا، هذا يقصر عنه وذاك يطول، وهذا يضخم عنه وذلك يدق، حتى جاء دور أوزيريس، فساوى الصندوق وفاقا، ولم يكد يفعل حتى أسرع المتآمرون إلى الغطاء فأغلقوه وأحكموا إغلاقه، ثم ألقوا به في النيل.
ناپیژندل شوی مخ
ذاع النبأ بين الناس وشاع؛ فحزنت إيزيس على زوجها حزنا شديدا، وشرعت تبحث عن جثة القتيل في طول البلاد وعرضها، حتى وجدتها وعادت بها، فوارتها قبرا يليق بجثمانه الطاهر. لكن «سيت» لم يرضه أن ينال أخوه هذا الإكرام، فاستخرج الجثة من قبرها وقطعها إربا إربا، ونثر أجزاءها نثرا، فطافت إيزيس مرة ثانية تجمع أشلاء زوجها، وكانت كلما صادفت جزءا أقامت له قبرا حيث كان.
ومن رثاء إيزيس لزوجها:
انظر إلي يا أوزيريس، أنا زوجتك الحبيبة الوفية، هذا قلبي قد فطره الحزن عليك، وهاتان عيناي شاخصتان إليك. ليتني أراك! إن جنتي - أيها الإله الصالح - في لقياك. تعال إلى حبيبتك، ادن من زوجتك، ولا تعزب عنها! إن الآلهة ترنو إليك، والناس تبكي عليك، ويزيد بكاؤهم أن يروني باكية جاثية أبث إلى السماء شكواي! لم لا تستجيب لدعائي وأنا زوجتك وحبيبتك؟
وقد لجأت «إيزيس» هي وابنها «حوريس» إلى محكمة الآلهة فقضت لهما، وحكمت على «سيت» وأجلست «حوريس» على عرش أبيه «أوزيريس».
هذا ملخص القصة، وتتخللها أساطير كثيرة، مثل أن أوزيريس لما حانت ولادته ارتفع صوت من معبد أمون يبشر العالم بأن «قد ولد الملك العظيم المنعم على الكون.»
وأن إيزيس توسلت إلى الآلهة فأعادته إلى الحياة، ولكنه عاد إلى نوع من الحياة الخالدة لا الحياة المألوفة ... إلخ.
وانتقلت قصة أوزيريس وإيزيس وعبادتهما من المصريين إلى اليونان، فأنشئ في ثغر «بيريه» اليوناني معبد لإيزيس في القرن الرابع قبل الميلاد.
كما انتقلت عبادتهما وقصتهما إلى الرومان فبني لهما معبد في الميناء الإيطالي بوزول،
7
وبني لإيزيس معبد في «بومبي». كما انتقلت إلى أجزاء الإمبراطورية الرومانية في إسبانيا وفرنسا وألمانيا وإنجلترا، وتلونت القصة بلون البيئات والعقليات المختلفة، وزيد فيها وحذف.
ناپیژندل شوی مخ
وقد أشار «بلوتارك» الكاتب اليوناني المشهور، الذي اعتنق عبادة إيزيس، والذي ألف كتابا عن «إيزيس وأوزيريس»، إلى أن هذه القصة قصة رمزية، وأن الشعب المصري «كان يقيم عاداته على قواعد أدبية ... وعلى الافتنان في تسجيل ذكريات تاريخية قديمة، وعلى إيضاح نواميس طبيعية.»
وقال بعض الباحثين: إن أوزيريس رمز إلى النيل واهب الخصب، وإلى الرطوبة التي هي أصل الإنتاج، وإلى القمر ينتج الندى في الليل فينشر الرطوبة؛ وعلى الجملة إلى قوة الخير والإنتاج والخصوبة في العالم، و«سيت» رمز إلى البحر الأبيض يصب فيه النيل ماءه فيبدده ويفنيه، ولكنه يحيا في العالم التالي، والمؤامرات التي دبرها «سيت» رمز إلى انخفاض مياه النيل بعد الفيضان، و«سيت» أيضا رمز إلى الجفاف أو النار التي تحارب الخصب؛ وعلى الجملة هو رمز لقوة الشر في العالم؛ وانتصار حوريس هو الفيضان الذي يعود، وإلى انتصار قوة الخير والحق آخر الأمر؛ وإيزيس رمز العطف والحنان والوفاء، ورمز الأرض الخصبة، ورمز العنصر النسائي المنتج، ورمز البحث عن الحقيقة؛ والحياة التي حييها أوزيريس بعد هي الحياة الأخرى التي ينعم فيها الإنسان بما يأتي من أعمال صالحات ... إلخ.
وكانت الطقوس الدينية وكهنة المعابد تبعث هذه المعاني عند الخاصة والفلاسفة والمثقفين، وإن لم يفهمها العامة؛ ولذلك أقبل على هذه الديانة الطبقة الراقية المثقفة من اليونانيين والرومانيين، فكانوا يشعرون بالطمأنينة لعقيدة الحياة الأخرى والعمل الصالح، وكانت تمدهم عقيدة الخير والشر والثواب والعقاب بغذائهم الروحي.
وأخيرا أحيا الشاعر الألماني «جوته» في القرن التاسع عشر الميلادي قصة «أوزيريس وإيزيس» باللغة الألمانية، فكان لقصتهما «الناي المسحور» بشعرها وموسيقاها أثر في النفوس بليغ.
ومن قصص المصريين المشهورة قصة «رمسينيت واللص» وخلاصتها - كما رواها «هيرودوت»: أن رمسينيت كان يملك من المال كنوزا تنوء بالعصبة أولي القوة، فحار في طريقة حفظها، ثم أداه التفكير أن يبني لها حجرة في قصره، يعد لها من الحجارة الكبيرة ما لا يستطاع حمله، وجعل أحد حوائط الحجرة جزءا من السور المضروب على القصر.
ولكن المهندس الذي تولى بناء الحجرة ركب في حائط السور حجرا يستطيع رجلان بل رجل تحريكه وزحزحته بطريقة مهندسة.
8
وجمع الملك فيها كنوزه وأمن أن تنالها يد، ولكن المهندس لما شعر بدنو أجله دعا إليه ابنيه وأخبرهما بخبيئة الأمر.
ومات المهندس ولم يلبث ابناه أن ذهبا ليلا وبحثا عن الحجر فعرفاه، وحركاه في سهولة ويسر، فدخلا إلى الحجرة فأصابا من مالها ما شاءا.
وتفقد الملك حجرته فرأى نقصا في كنوزها، وحيره أن رأى الباب سليما وأختامه لم تمس. وتكرر ذلك مرات والملك حائر في أمره، ولم يجد حيلة إلا أن ينصب فخاخا في جوانب الخزائن، وعاد اللصان، فما إن قرب أحدهما حتى وقع في الفخ وأطبق عليه.
ناپیژندل شوی مخ
فأشار من وقع في الفخ على أخيه أن يقطع رأسه ويرجع به إلى بيته حتى تختفي الجريمة، وألح عليه في ذلك ففعل، ورد الحجر إلى مكانه ورجع برأس أخيه.
ولما دخل الملك رأى الأمر ازداد تعقيدا، والجريمة لم تكتشف؛ فأمر بصلب الجثة وإقامة الرقباء حولها، لعل أحدا يبكي لرؤيتها فيتكشف الأمر.
ولكن الأم بكت في بيتها، وعز عليها صلب ابنها، فهددت أخاه إن هو لم يأتها بالجثة أن تفضح السر للملك؛ فأعمل الحيلة وأعد حمرا حمل عليها زقاق الخمر، فلما قرب من الحراس فك بعض الزقاق وتظاهر بأنها سالت على الرغم منه، وأخذ يبكي ويندب. وجاء الحراس فوجدوا خمرا تسيل فشربوا، فأخذ يتصنع تأنيبهم، ثم مال إلى الطريق ميلة، وهدأ من سورته، وأخذ يحدث الحراس ويسقيهم حتى أسكرهم، فناموا، وقام ليلا إلى جثة أخيه فحلها وعاد بها إلى أمه.
وجن جنون الملك لما علم بسرقة الجثة.
ففكر في وسيلة أخرى يكشف بها هذه الجريمة بل الجرائم، فأمر ابنته فأحل لها أن تستقبل الناس، وتمكن نفسها ممن يحدثها عن أعجب جرائمه ودهائه، فإذا جاءها من حدثها بسرقة الجثة حجزته وغلقت عليه الأبواب.
فعرف اللص الخبر، فأراد أن يظهر للملك عجزه، فاستحضر ذراع رجل مات حديثا وخبأها في ثيابه، وقابل بنت الملك وقص عليها قصته، وكان الظلام قد ساد الحجرة، فهمت بالقبض عليه فقبضت على شيء ظنته يده، ولكنها كانت الذراع المخبوءة، أما هو فقد كان قفز وهرب.
فعجب الملك من كل هذا، وأعلن في جميع أنحاء المملكة أنه قد عفا عنه، وأنه سيجزل له الخير إذا أظهر نفسه؛ فتقدم اللص إلى الملك فوفى بوعده وأنعم عليه وزوجه بنته، لأنه أمهر المصريين الذين هم أمهر الأمم. •••
ولكن إلام ترمز هذه القصة؟ لعلها - فيما نرى - ترمز إلى السلطان والقدر، فالملك بعزه وسلطانه، وحيلته وحيطته، لم يستطع أن يغالب القدر، وكلما أبرم أمرا نقضه القدر، وهو يحتال الحيلة بعد الحيلة، والقدر يفسدها عليه، وأخيرا تجلى له الحق فأقر بالسلطان الأعلى وصالح القدر.
لعل هذا أو نحوا من هذا هو ما ترمز إليه القصة.
ولهم قصص أخرى كثيرة من هذا القبيل، كقصة خوفو والسحرة، والبحار الغريق والأمير الهالك ... إلخ. نكتفي منها بهذا القدر. •••
ناپیژندل شوی مخ
ثم كان لهم نوع آخر من الأدب وهو أدب الحكم والمواعظ، منها ما هو أدب للنفس، ومنها ما هو أدب للمجتمع، ومنها ما هو أدب سياسي، ومنها ما هو أدب ديني. فمن نصائح «بتاح حوتب» لابنه:
9
إذا أردت حسن الثناء فتجنب الطمع، فإنه داء لا يشفى، ومحال أن تكون معه صداقة، وهو مركب من جملة شرور، ووعاء لكل مرذول.
إذا أصبحت عزيزا بعد هوان، وغنيا بعد فقر، فلا تنس أيام هوانك وفقرك إن استطعت؛ فوجه عنايتك للعلم وبلاغة القول، وفكر قبل أن تأمر، فما أقبح التصرف من غير تفكير، ثم إذا أمرت فلا تتعاظم في أمرك، ولا تحتد في قولك، وتحر أن تكون مطاعا في أمرك، مسددا في إجابتك، فالحلم يذلل الصعاب، والغضب ينغص العيش.
تحر بفضلك من صادقك في شدتك، فإنهم أحق بفضلك ممن لا يعرفونك إلا في رخائك.
الرجل الغر ينصح فلا يسمع، ويرى العلم في الجهل، والربح في الخسارة، ويأتي ما يأتي على غير هدى، ويجد في كلام السوء غذاء لنفسه.
تلطف مع زوجك، واقصد أن تجعلها أسعد امرأة في بلدها، وأسلس قيادها يستقم سيرها، وبشرها ولا تنفرها، وتحبب إليها بموافاتها بما تطلب.
لا يغرنك علمك ولا تثق به، وشاور الجاهل والعاقل، فالعلم لا حد له، والوصول إلى نهايته لا يستطيعه أحد وليس هناك عالم بفن يستطيع أن يقول فيه الكلمة الأخيرة، والكلام القيم أخفى من الحجر الكريم الأخضر، ومع هذا فقد تجده في يد أمة تدير الرحا.
أطع تستفد، فإني لم أبلغ ما بلغت إلا بالطاعة، وإن الطاعة تستجلب المحبة وتدر الخير، والله يحب من أطاع ويكره من عصى.
إذا دعيت إلى مائدة من هو أكبر منك مقاما فخذ مما يقدم لك، ولا تمدن عينيك إلى ما وضع أمامه، ولا توجه نظراتك إليه. •••
ناپیژندل شوی مخ
ومن المواعظ السياسية موعظة «خيتي الثالث» لابنه «خيتي الرابع»، وكانت نصائحه إبان ثورة شعبية على نظام الحكم، فمن قوله:
كن بليغا تكن قويا؛ فاللسان للملك أصدق سيف في القتال.
والملك مدرسة لمن حوله من العظماء، وهو إذا اتسع اطلاعه أمن من أن يخدع بالكذب؛ لأن الحقيقة تأتيه خالية من الشوائب.
اجعل أساس اختيارك للرجال الكفاية، سواء في ذلك ابن العظيم وابن الحقير.
من الخير لك أن تكون رحيما، واجعل وكدك أن يقيم لك الناس تمثال الحب في قلوبهم، فإن فعلت فسيذكرون لك جميلك، ويدعون لك بالصحة وطول العمر.
تمسك بالعدل ما حييت، وإياك والإساءة إلى الأيامى، والتعرض لمال أحد فيما يرثه من أبيه، والعقوبة في غير جريرة.
ليس لأحد أن يظلم، فسوف يحاسب كل إنسان على عمله. ولا تغتر بطول العمر، فما حياة الإنسان في هذه الدنيا إلا لمحة، وسيبعث الإنسان حين وصوله إلى الشاطئ الثاني (في الحياة الأخرى)، وكل نفس بما كسبت رهينة، وهناك الأبدية لا شك فيها، وويل لمن يحتقرها، وطوبى لمن أتى إليها وليس له ذنب، إنه يحيا كما تحيا الآلهة.
إن الناس عبيد الله، وهو يهديهم سواء السبيل، خلقهم منه، وعلى صورته؛ وخلق لهم ما في الأرض جميعا، وهو يسمع بكاءهم وشكواهم، وقد جعل لهم رؤساء أوصياء عليهم يأخذون بيد الضعفاء منهم. •••
وقد عثر - فيما عثر عليه - على نوع من الأدب طريف، وهو كتاب سماه علماء الآثار «شكاوى الفلاح»،
10
ناپیژندل شوی مخ
وقد استرعى هذا الكتاب الأنظار لبلاغته.
وخلاصته أن فلاحا من إقليم وادي النطرون نفدت غلاله، فحمل حمره بعض نتاج قريته، وذهب إلى أهناس ليبادل بها غلالا، فمر في طريقه على حاكم بلدة فراقت الحمر بما عليها في عينه، فتعلل الحاكم بأن الحمر أكلت في طريقها بعض زراعة القمح، فضربه ضربا مبرحا، واغتصب حمره وما حملت؛ فالتجأ الفلاح إلى رئيس الحاكم فلم ينصفه، واستعظم هو وأعوانه أن ينتصفوا لفلاح من حاكم، ولكنهم عجبوا من فصاحته وقوة حجته.
وقد قص الرئيس قصته على الملك مبينا له ما منح الفلاح من قوة في الأدب وبلاغة في القول، فشاركه الملك في إعجابه، وأمره أن يبطئ في حل قضيته حتى يستخرج كل ما عنده من قول بليغ، ولكن يجري عليه ما يقيم أوده سرا.
فصاغ الفلاح في شكواه تسع خطب تتدفق معاني جليلة في مدح العدل وذم العمال بروح عصره، وأسلوب قومه، فمنها يخاطب الرئيس:
يا سيدي يا عظيم العظماء، يا أغنى الأغنياء، ومن ليس فوقه إلا عظيم أعظم، وغني أغنى ...
أليس عجيبا أن ينحرف الميزان، ويعوج المستقيم، ويختل الوزن؟
تأمل؛ إن العدل يتزلزل من تحتك، والقضاة يظلمون، ومن يشعر بالراحة يترك الناس في عناء، ومقسم الأرزاق متلف، والمكلف بالعدل يأمر بالسرقة، ومن عمله أن يقضي على الفقر يحيي الفقر!
ثم يؤنب الرئيس ويتمنى له الشر، فيقول:
ليت بيتك يخرب، وكرمك يذبل، وطيورك وماشيتك تفنى، فقد عمي البصير وصم السميع، وضل المرشد.
لقد تخطتك الرحمة، وأصبح مثلك كرسول التمساح أو «ربة الوباء».
ناپیژندل شوی مخ
إن الملك في قصره وسكان السفينة في يدك، وقد كثر الشغب بجوارك، والشكاية تطول والفصل فيها يبطؤ، والناس يتساءلون ماذا تعمل. أعن المظلوم حتى تتبين للناس قيمتك، والتزم الحق في القول فالمرء قد يكون مصرعه في لسانه.
يا من يملك مرافق الماء! قد أصبحت أملك مجرى الماء ولا أملك سفينة، ويا من ينجي الغارق! نج من غرقت سفينته.
كن كإله النيل يجعل الأرض الجدباء أرضا خضراء، ولا تكن كالسيل يدمر ما يأتي عليه، واحذر الآخرة.
إن لسانك لسان الميزان، وقلبك وشفتيك ذراعاه، فإذا لم تعدل فمن الذي يكبح الشر؟
إن مثلك كمثل بلدة لا حاكم لها، وطائفة لا رئيس لها، وسفينة لا ربان لها، وعصابة لصوص لا كابح لها.
إنك حاكم يسرق، ورئيس يرتشي، وموكل بالقضاء على المجرمين يصبح نموذج المجرمين.
يا أيها المدير العظيم، لا تحرمن فقيرا مثلي من ملكه، فمال الفقير نفسه، ومن اغتصبه كتم نفسه. ماذا تصنع؟
إنك لتسمع الشكوى فتنحاز إلى اللص، ويضع المتقاضي أمله فيك فتعتدي، ويأمل الفقير أن يجد منك سدا يقيه الغرق فيجدك تيارا يجرفه.
أقم العدل لرب العدل الذي يصدر عنه العدل؛ إن العدل لا يفنى، سيذهب مع صاحبه إلى القبر ويدفن معه، ولكن لا يمحى اسمه ... إلخ. •••
ثم كانت لهم الأناشيد الدينية والأغاني الشعبية والغزل الرقيق، وهاك نموذجا لقطعة غزلية:
ناپیژندل شوی مخ