د نړۍ ادب کیسه (برخه لومړۍ)
قصة الأدب في العالم (الجزء الأول)
ژانرونه
ولقد تناقش العلماء المحدثون مناقشات كثيرة في قيمة هذا الكتاب وفي وحدته وفي تاريخ تأليفه وتأليف أجزائه المختلفة، وبحثوا في هل هو تام أم ناقص إلى غير ذلك من الأبحاث التي لا تزال مستمرة. ولكننا نكتفي بأن نقول إن الكتاب كما هو الآن يكون وحدة متسلسلة متجانسة. وأما قيمته التاريخية فليست سواء في كل أجزائه، فالكتب الخمسة الأولى ليست في قيمة الأربعة الأخيرة، وهذا أمر من السهل تعليله، فالمؤلف عندما يتحدث عن تاريخ الفرس القديم وعن مصر أو بلاد السكيت لم يكن لمعلوماته ولا لمصادره من اليقين ما كان لحديثه عن الحروب الميدية التي عاصرها وسمع عنها ولقي شهودها، ومع ذلك فحتي النصف الضعيف من كتابه لا نزال حتى اليوم نستقي منه أقدم المعلومات نقارنها بنتائج الأبحاث الأثرية فنهتدي إلى الكثير من الحقائق التاريخية الثابتة.
ثم إن المؤلف كان يتمتع بالكثير من الصفات التي نتطلبها في المؤرخين المحدثين، فهو بعيد عن التحيز حتى لنراه يعترف للفرس بمزاياهم كما يعترف للإغريق سواء بسواء، وهو وإن كان قد أخطأ في بعض التفاصيل فإنه كان يملك القدرة على إدراك الكليات وعرضها عرضا شاملا، ثم إنه قد حرص على جمع أكبر كمية ممكنة من المعلومات التي أخذها عن ألسنة الرجال أو عن مشاهداته أثناء سياحاته المختلفة، وأخيرا عن النصوص المكتوبة كنبوءات العرافات التي يوردها بنصها، وعن كتابات اللوجوجراف الذين أشرنا إليهم فيما سبق.
وأما مواضع ضعفه فهي في سذاجته التي حملته على الإيمان بكثير من الخرافات ثم في عدم دقته، كما نلاحظ ذلك في وصفه للمعارك وفي النقص الواضح في تثبته من المعلومات التي تروى له.
وأعظم عيب يؤخذ على كتابه هو عدم نفاذه إلى معنى الحوادث التاريخية وأسبابها وعدم تعمقه في فهم النفس البشرية ودوافعها، ولهذا قلما نعثر عنده على تحليل دقيق لعقلية القادة والزعماء، وهو في هذا يغاير «ثيوسيديد» كل المغايرة.
وإذا كانت لهيرودوت فكرة جامعة عن سير التاريخ فهي سيطرة القضاء على حياة البشر وغيرة الآلهة من صلف الإنسان، فكم من مرة يقف ليحدثنا عما أنزلت الآلهة بهذا الرجل أو ذاك من عقاب عندما أخذه الغرور وتطاول إلى حيث لا ينبغي له.
هذا عن قيمة الكتاب التاريخية. وأما قيمته الأدبية فالإجماع منعقد على توفرها. وإنك لتقرأ كتابه فلا يأخذك ملل أو فتور قط، وذلك لأن هيرودوت يطلعك أحيانا على سذاجة ساحرة يلهو بها العقل فيمسك عن أعمال النقد، ويطلعك أحيانا أخرى على قوة في التصوير والقصص، فإذا بك كأنك تحضر المعركة الحامية فتنفعل وتستثار، وهو يمر بك طورا بعد طور من القصص إلى الحوار إلى الخطب في أسلوب سهل واضح قريب. (ب) ثيوسيديد
ولد ثيوسيديد سنة 469ق.م. أي بعد هيرودوت بعشرين عاما فقط، ومع ذلك يخيل إلينا عندما نقرأ كتابه ونقارنه بكتاب هيرودوت أن بينهما قرونا طوالا.
لقد رأينا المؤرخ الأيوني يقصد إلى تمجيد أعمال البطولة وتخليد ذكراها وأما ثيوسيديد فيعلن في أول كتابه أنه لا يريد أن يبهر الناس بروائع القصص وإنما يريد أن يصل إلى الحقيقة العارية وأن يعرضها في غير تحيز فيقول: إنه يود أن يترك للإنسانية «شرعية أبدية»، ولهذا يرفض أن يأخذ معلوماته عن كل طارق، ويحرص على التثبت أدق حرص؛ ومن ثم جاء كتابه أقرب ما يكون إلى كتب المؤرخين المحدثين من حيث تحرير الحقائق التاريخية. وقد استطاع ذلك المؤرخ العظيم ما لم يستطعه إلا القليل من كبار الكتاب في تاريخ الإنسانية كلها: استطاع أن يشق الحجب عن النفوس وأن يستخرج دوافعها الخفية، وكتابه من هذه الناحية لا يعتبر كتاب تاريخ فحسب، بل كتابا إنسانيا يجد فيه المفكرون وقادة الشعوب بل والفلاسفة كثيرا من الحقائق الخالدة التي لا نزال حتى اليوم نبحث عنها في زوايا النفوس أو نتلمسها في مضمون الحوادث؛ سياسية كانت أو أخلاقية أو اجتماعية.
ولد ثيوسيديد في إحدى ضواحي أثينا من أسرة نبيلة ثرية، وهم يحدثوننا أنه قد استمع وهو طفل لهيرودوت يقرأ جزءا من تاريخه ففاضت دموعه إعجابا، وأن هيرودوت قد هنأ أباه بأن له ولدا مولعا بالمعرفة ذلك الولع القوى. والعلماء يرجحون أنه قد تتلمذ للسوفسطائي أنتيفون
186
ناپیژندل شوی مخ