د نړۍ ادب کیسه (برخه لومړۍ)
قصة الأدب في العالم (الجزء الأول)
ژانرونه
161
الذي يضعه أفلاطون في قمة شعراء الكوميديا، كما يضع هوميروس على رأس شعراء الملاحم. ولقد أخذ هذا الشاعر يؤلف الكوميديات منذ سنة 486ق.م. فيما يروي القدماء. ولقد بلغ من ذيوع الصيت أن استدعاه حكام سيراقوصة إلى مدينتهم حيث استقر زمنا طويلا، وعاش فيما يقولون حتى بلغ التسعين من العمر وألف ما يقرب من أربعين كوميديا، ولكن مؤلفاته لسوء الحظ قد ضاعت ولم يبق لنا منها إلا فقرات صغيرة لا تكفي للحكم على فنه حكما شاملا، ومع ذلك فأرسطو يحدثنا أن إبيكارموس قد أحدث تجديدا خطيرا في الكوميديا إذ جعل لها موضوعا، أي قصة تشبه قصة التراجيديا، فأصبحت تتناول حادثة بعينها تعالجها في مراحلها المختلفة حتى تنتهي بها إلى حل. وبذلك أصبحت الكوميديا رواية مسرحية بعد أن كانت مكونة من عدة مناظر وأغان مفككة يرتجل معظمها. والظاهر أن إبيكارموس كان يأخذ موضوعاته من الأساطير ومن الحياة الواقعية على السواء، بل إنه ليبدو لنا من بعض الفقرات التي وصلت إلينا أنه قد عرف كيف يصف الحالات النفسية والخلقية بروح فلسفية تجعل منه في مجال الكوميديا شبيها ليوربيدس في ميدان التراجيديا، وربما كان هذا هو السبب في إدراج القدماء له في عداد الفلاسفة الفيثاغوريين.
وها هي فقرة يصف فيها شاعرنا «الرجل الطفيلي»: «أتناول العشاء مع أي إنسان يريدني. يكفي أن يدعوني أحد، بل وأتناوله مع من لا يريدني، فلا داعي للدعوة. وأنا على المائدة حاضر النكتة أضحك الجميع وأمدح مقدم العشاء، وإذا سولت لأحد نفسه أن يعارضه في شيء وقفت ضد هذا المعارض، وأخذت قتاله على عاتقي، حتى إذا أكلت وشربت ملء بطني انصرفت والمصباح بيدي لا يصحبني عبد. أسير وحيدا وسط الظلام وأتعثر أحيانا، فإن قابلت الحراس مصادفة حمدت الله إذا لم يقتلوني واكتفوا بأن يطوقوني بعصيهم. وعندما أصل في النهاية إلى منزلي وقد نضح جلدي أضطجع على الأرض الصلدة، ولكنني لا أستطيع أن أنام قبل أن يحدث النبيذ النقي أثره الطيب بوعيي.»
ولا شك أن مثل هذا الوصف يدل على نزعة واقعية تعتمد على الملاحظة المباشرة.
ولعل الكوميديا قد ازدهرت في صقلية قبل أن تزدهر في أثينا لوجود نوع من الأدب الشعبي عرف بتلك الجزيرة يشبه الكوميديا، ونعني به ما يسمى «حوار المحاكاة» وهو عبارة عن حوار واقعي بين فردين من أفراد الشعب: بين امرأتين أو بين رجلين يتبادلان فيه حديثا عاديا كالذي نسمعه كل يوم في الأزقة والحارات . ولقد وصلتنا أسماء كتاب صقليين برعوا في ذلك الفن خلال القرن الخامس قبل الميلاد. ولقد قلدهم فيما بعد شعراء الإسكندرية وعلى رأسهم ثيوقريطس نفسه. وقيمة هذا الفن إنما تأتيه من بساطته ورصده للحياة وتخيره للتفاصيل الدالة على النفوس وما يشغلها من توافه. وهو بذلك يعالج عقلية السواد الأعظم من الشعب كما يعالج الحياة في مظاهرها البدائية الشائعة؛ لهذا كان يكتب في أول الأمر نثرا ليكون أقرب إلى الواقع.
ويلاحظ أن سكان صقلية كانوا ميالين بطبعهم إلى السخرية والمرح والمحاكاة وكثرة الحركات المعبرة. لقد كانوا يحاكون كل أمر جدي ليحيلوه إلى سخرية، حتى ولو كان ذلك الأمر من الأساطير الدينية. وكانت لهم فيما يظهر مقدرة واضحة على الملاحظة والنقد، وكل هذه خصائص الكوميديا.
نشأت إذن الكوميديا بصقلية فنا أدبيا قبل أن تنشأ بأثينا، وكان فيما أحدثه إبيكارموس من تجديد أن جعل للكوميديا موضوعا كما كان لحوار المحاكاة الذي تحدثنا عنه أثر كبير في الوصول إلى مرتبة النضوج، ومع ذلك فلا شك أنها قد تأثرت أيضا بالتراجيديا الأثينية من حيث الموضوع والشخصيات والتمثيل. وأيا ما كان فالكوميديا في جملتها فن أثيني وإن كانت الدولة الآثينية قد ترددت طويلا في تنظيمها وإدخالها في الأعياد الرسمية. ولعلها كانت تخشاها لما فيها من نقد لاذع لرجال الحكم. ولقد حدث بالفعل أن قيدت الدولة من حرية شعراء الكوميديا، ولكن تلك القيود لم تدم طويلا، ولم يلبث هؤلاء الشعراء أن تمتعوا بحرية كاملة وإن لم يفلتوا دائما من المحاكمة أمام القضاء.
وللكوميديا بأثينا تاريخ طويل تطورت في خلاله وتغيرت روحها وموضوعاتها. ولقد كانت الكوميديا والفلسفة المظهرين الوحيدين للنشاط العقلي بأثينا بعد سقوط تلك المدينة العظيمة في يد المقدونيين، في النصف الأخير من القرن الرابع قبل الميلاد؛ إذ ذوت عندئذ كل فنون الأدب والتفكير فلا ملاحم ولا غناء ولا تراجيديا ولا خطابة ولا تاريخ، فلم يبق كما قلنا غير الفلسفة ثم الكوميديا.
وإذن فاستمرار الكوميديا حية مزدهرة بأثينا خلال القرن الخامس قبل الميلاد، ثم خلال القرن الرابع - رغم انحطاط الفنون الأدبية الأخرى بل وانقراضها - قد أدى بذلك الفن إلى التطور ؛ ولهذا نرى مؤرخي الأدب اليوناني يقسمون الكوميديا الأثينية إلى ثلاثة أقسام: (1) الكوميديا القديمة. (2) الكوميديا المتوسطة. (3) الكوميديا الحديثة. (3-7) الكوميديا القديمة
هذه هي كوميديا القرن الخامس حتى سنة 400ق.م. وتمتاز هذه الكوميديا بأنها كانت سياسية أو شخصية؛ فهي تتخذ صيغة الحوار وتعتمد على قصة لا لتصور شخصيات ولا لتحلل حالات نفسية، ولكن لتنقد نظاما قائما، ولتسخر من حالة اجتماعية بذاتها، أو لتخرج شخصية من الشخصيات البارزة: لقد كانت أشبه ما تكون ب «الهجاء التمثيلي» وروحها روح هزل صراح؛ هزل لا يتحرج من أقبح الألفاظ، فهي مسرفة في الواقعية، ومع ذلك فقد استطاع أكبر ممثل لتلك الكوميديا وهو أرستوفان أن يعبر بذلك الهزل عن كثير من الحقائق، بل وأن يجمع إلى الهزل أرق الشعر؛ فلقد ترى جوقات كوميدياته تتكون من السحب أو الضفادع أو الزنابير، ومع ذلك تسمع تلك الجوقات تتغنى بأجمل الغناء. وهكذا يأتي الشعر مصاحبا لهزل الشخصيات الروائية فتدهش لمقدرة ذلك الشاعر العظيم على العبور من الشعر الرقيق إلى العبث المسف في هذا اليسر وتلك القوة. ولعل أغاني الجوقات في كوميديا أرستوفان هي التي أوحت إلى ناقد لاتيني كبير قوله عن الكوميديا القديمة: «لقد كانت الكوميديا القديمة الفن الأدبي الوحيد الذي احتفظ بنقاء اللغة الأتيكية ورشاقتها الأصيلة؛ فهي فصيحة فصاحة صريحة رائعة في نقدها للرذائل، مليئة بالقوة في الوصول إلى ما تريد. لقد امتازت بالعظمة والرشاقة والسحر، وفي ذلك تركزت خصائصها.» فهذا الحكم يصدق على الأجزاء الغنائية وعلى بعض الحوار، ولكنه لا يصف تلك الكوميديا وصفا شاملا إذ نجد فيها إلى جانب الرشاقة والعظمة القبح والإسفاف في اللفظ.
ناپیژندل شوی مخ