فهذا يحتمل وجوهًا: إما أن يكون أراد إنك إذا رآك قرنك، وقد ألقيت نفسك للتهلكة يئس من فرارك، فهرب هو فسلمت أنت، وإما أن يكون مثل قوله تعالى: (ولا تَحسَبَنَّ الذين قُتلوا في سبيلِ اللهِ أمواتًا بل أحياءُ)، وإما أن يكون أراد أنك إذا مت على هذه الحال فقد أبقيت لك من حسن ذكرك ما يقوم لك مقام الحياة.
قال الشيخ: ولو كان أراد به ما فسره لقال: وحب الشجاع الصيت أو الذكر أو المدح أو الأجر، وليس في الغنى شيء عندي مما فسر أنه يرد الحرب ليبلي ما يشرف به ذكره في الحياة أو ليُقتل فيذكر بالصبر والأنفة وما بعده إلى أخر تفسيره، فكله حب الصيت والذكر لا حب النفس على الحقيقة وما يدفعه دافع فحاطب ليل. والمعنى عندي إن حب الجبان نفسه يورده التُّقى لاستبقائها، وحب الشجاع النفس يورده الحرب لعطائها المُنى وإعلائها ولقهر مناوئه وأخذه من الملك ومن نعيم الدنيا والغنى والثروة وما يشتهيه فيتقلب ناعمًا فيه كما قال في موضع آخر:
فإن تَكُن الدَّولاتُ قسمًا فإنَّها ... لمن وردً الموتَ الزُّؤامَ تدولُ
لمن هَّونَ الدُّنيا على النَّفسِ ساعةً ... وللبيضِ في همامِ الكُماةِ صليلُ
وكما قال:
ويا آخذًا من دهرهِ حقَّ نفسهِ ... ومثُلك يُعطَى حقَّه ويُهابُ
1 / 31