داهمته رائحة الشواء، تنبعث بجوار موقف المواصلات العامة إذ تكدس الناس بالعشرات في انتظار وسيلة نقلهم التالية، رائحة دخان الشواء لذيذة، تعلن عن بضاعة صاحبها بقوة، وحوله يتحلق بضعة أشخاص يلتهمون الشطائر على عجل.
تتقلص بطنه وتعتصره في ألم، تصدر أصواتا محتجة، تذكره أنه لم يضع فيها شيئا منذ الأمس، يقف مشدوها للحظات يرمق رجل الشواء يتحرك بسرعة وآلية من اعتاد فعل الشيء، يخرج اللحم المترادف من على السيخ المحمي، يشق الخبز بسرعة ومهارة، يصنع عدة شطائر، يضيف إليها بعض الطماطم والملح والليمون، ثم تتخطفها من بين يديه جحافل المتحلقين حوله في لهفة.
ينساب العرق المالح على عينيه المحملقتين، يرمش بسرعة ويمسحه بكم قميصه، ثم يواصل طريقه، تطارده رائحة الشواء في إصرار كأنها تسخر منه، يضع إصبعه على أنفه ليمنع ضجيج بطنه. «ورنش ... ورنش!»
يشق المزيد من الزحام، ليبتعد عن الرائحة ما تيسر له، يتسول الناس بعينيه ليطلبوا تلميع أحذيتهم، كشك صغير ينبعث من صوت هادر يكرر بإصرار وبلا نية في التوقف: «يلا يالماشي تعال غاشي، يالبعيد تعال قريب، قرب قريب شغل عجيب، عصير مركز واحد جنيه.»
يجلس تحت ظل شجرة ضخمة بجوار الكشك، يسند ظهره للحائط المتهدم القريب، يقرأ بصعوبة عبارات قرأها مرارا، كتبها أحدهم بخط رديء على عجالة بالفحم والطباشور. «التبول ممنوع بأمر الشرطة.» «ممنوع البول يا حمار.»
شكل الخرائط على الأرض، ورائحة الأمونيا الخانقة التي تفوح من الحائط حيث جلس، أخبرته أن الناس لم يلتزموا بالتحذير كثيرا!
يرمق المارة بعينين زجاجيتين، في المطعم المقابل للشارع تجلس امرأة يافعة مع زوجها وطفل صغير، هو في مثل سنه، لكنه أكثر جمالا ونظافة، تحمله أمه على حجرها وتحتضنه إليها.
اعتصره شيء مؤلم في قلبه، كالغصة، أشد ألما من ضجيج معدته الدائم.
شيئا لم يفهمه!
الطفل الآخر بدا مستكينا في حضن أمه، يلتهم شطيرة كبيرة بهدوء وتمهل، ينظر له نظرة عابرة ثم يعود ليواصل ما كان يفعله، أشاح بوجهه بسرعة حتى لا تتمرد معدته مجددا برؤية مشاهد الطعام.
ناپیژندل شوی مخ