وليتنبه القاريء إلى أن أول معصية عصي بها الرحمن هي بسبب التفضيل. والذي عصى الله بها كان من العابدين، الخاشعين، العالمين بالله؛ ولم يكن من الكافرين، ولا الفاسقين، ولا المارقين. بل قد بلغ به الحال أن صار يذكر بين الملائكة، وصار الله يخاطب الملائكة فيتوجه الخطاب نحوه معهم. ومع ذلك فقد سقط عند أمر الله تعالى بأن يقر لآدم عليه السلام بالفضل!! قد سقط لما فكر كما يفكر أولئك اليوم!!
إن الله تعالى خلق الخلق، وجعل لبعضهم فضلا على بعض. وهذه حقيقة قرآنية لا تحتاج إلى كثير توضيح. فالله تعالى فضل بني إسرائيل، وفيهم ما فيهم. وجعل الله تعالى الكتاب في ذرية إبراهيم ونوح مع كون كثير منهم فاسقين. واصطفى الله آل إبراهيم وآل عمران. وفضل الناس على بعض في الرزق، وفضلهم في العلم، وفضلهم في الخليقة بين جميل وقبيح، وذكي وبليد. وفضلهم في الأحكام فجعل ما للرجل ضعف ما للمرأة، وجعل للمرأة على الرجل حقوقا، وجعل للرجل على المرأة حقوقا...
بعد هذا كله، بعد ما نرى الله تعالى يفضل الخلق على الخلق؛ يأتي بعض الناس وينكرون على من تكلم في فضل أهل البيت عليهم السلام. وهم إذ يقومون بذلك يغفلون عن تلك الحقائق القرآنية، ثم يتمسكون بظواهر أحاديث لم يحسنوا فهمها، كما يتمسكون بشعارات نحو: إن الإسلام دين مساواة؛ ونحو: إنه لا عنصرية في الإسلام. وهم إذ يتمسكون بكل ذلك إنما يخفون حقيقة الأسباب التي تدعوهم للوقوف أمام هذه الحقائق.
وأبرز ما تمسكوا به من الأحاديث الشريفة قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الناس سواسية كأسنان المشط»؛ وقوله صلى الله وعلى آله وسلم : «لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى».
وبقطع النظر عن سندي الحديثين، وبالنظر إلى متنهما فحسب، فإن على المتدبر أن يدرك أن المساواة ليست في كل شيء، كما إن الفضل قد يكون بغير التقوى.
مخ ۵