القول المبين
في فضائل
أهل البيت المطهرين
تأليف السيد العلامة حليف الفضل والإستقامة
محمد بن عبدالله سليمان العزي
من إصدارات
مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
ص.ب. 1135، عمان 11821
المملكة الأردنية الهاشمية
www.izbacf.org
مخ ۱
تصدير مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
وبارك على محمد وعلى آل محمد
كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
يتوجه كل مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة في كل بقعة من بقاع الأرض للصلاة خمس مرات وجوبا، وما لا يعلمه إلا الله عددا من النوافل.
وفي كل مرة من هذه المرات الخمس التي يصلي فيها الخلق لله تعالى يعلنون الخضوع والعبودية له: فيحمدونه، ويقرون له بالعبودية، ويطلبون منه الهداية، ثم يكررون تسبيحه وتحميده... ثم بعد كل ذلك، يختم المسلم صلاته لله تعالى بالصلاة على محمد وبالصلاة على آل محمد...
نعم! نختم صلاتنا لله تعالى بالصلاة على محمد وعلى آل محمد!!
ولقائل أن يقول: لقد كان يكفي أن يتوجه المسلم إلى الصلاة على محمد؛ إذ كان هو الذي هدانا إلى الله الذي نصلي له، فلما كان هو الطريق إلى الله، ختمنا صلاتنا لله جل وعلا، بالصلاة على الطريق إلى الله، والدليل عليه، والهادي إليه.
ولكن لم يكن ذلك...
وإنما أردفت الصلاة على صاحب الرسالة بالصلاة على آله...
فلماذا الصلاة على آل محمد؟
لماذا يختم المؤمن صلاته لله تعالى، بالصلاة على آل محمد؟ وما هي الخصوصية التي لآل محمد، والتي من أجلها نصلي عليهم خمس مرات يوميا؟ وفي ختام صلاتنا بالتحديد؟ وبعد صلاتنا على الدليل على الله والهادي إليه؟
هل لآل محمد شيء من الخصوصية التي كانت لرسول الله صلوات الله عليه وعليهم؟
هذا جواب محتمل.
ولكن على كل حال، وأيا كان الجواب... ألم يكن كافيا أن يصلى على محمد وآله فحسب؟ بدون جعل هذه الصلاة مثل الصلاة على إبراهيم وآل إبراهيم؟
مخ ۲
فلماذا نصلي على محمد ونصلي على آل محمد، ثم بعد ذلك نسأل الله أن يجعل هاتين الصلاتين مثل صلاة الله على إبراهيم، ومثل صلاة الله على آل إبراهيم؟
لماذا نقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؟
لماذا نقول: اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم؟ وصل على آل محمد كما صليت على آل إبراهيم؟
لماذا المقابلة بين آل محمد وآل إبراهيم؟
أسئلة لا بد لكل مؤمن من التأمل فيها.
ما هي الصفة التي لآل محمد، والتي من أجلها أمرنا الله تعالى بأن نختم صلواتنا له سبحانه، بالصلاة عليهم، ولكن ليست أية صلاة، وإنما صلاة كصلاة الله على آل إبراهيم؟
أي قاريء لبيب، يريد الله واليوم الآخر سيفهم ما هو السر، وعند ذلك فليس أمامه إلا التسليم لقول الله تعالى:
?وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم?
?فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما?
الحكم لله، والخيرة لله، ونحن عبيد لله؛ نواصينا بيده سبحانه وتعالى؛ نأتمر بأمره، ونقف عند نهيه. فإن أرادنا أن نوالي أحدا واليناه راضين، وإن أرادنا أن نعادي أحدا عاديناه راضين. لا نسأل عن فعله، ونحن مسؤولون عن أعمالنا يوم لقائه.
ورحم الله عالم السنة، وشيعي الآل، محمد بن إدريس الشافعي نور الله عليه في ضريحه إذ يقول:
فرض من الله في القرآن أنزله
من لم يصل عليكم لا صلاة له
يا أهل بيت رسول الله حبكم
مخ ۳
كفافكم من عظيم الشأن أنكم لقد علم رحمه الله سر هذه الصلاة؛ ولذلك رأى أنها غاية الفضل، وكفايته. وحقا من أوتي الفهم لم ير ما سواها من الفضائل إلا زيادة وتفصيلا. وقد صاغ المسألة صياغة فقهية، بمعنى أنه يبطل صلاة من لم يصل على أهل البيت في آخر الصلاة؛ ولكن لعل قوله هذا يوميء إلى أنه لا تقبل صلاة العبد لربه، ما دام أنه لم يصل على أهل بيت نبيه بالفعل، أي بفعل ما تقتضيه هذه الصلاة من مودتهم، وموالاتهم، والاقتداء بهم، ونهج سبيلهم.
فلا صلاة إلا لمن صلى على آل محمد بلسانه، وبأفعاله.
لا علاقة صحيحة بين الله تعالى وبين عبده ما لم يكن الطريق إلى الله ورسوله: آل محمد!!
والكتاب الذي بين أيديكم تناول بعض الأمور التي خص الله تعالى بها أهل بيت نبيه؛ مما هو مذكور في القرآن الكريم، أو مما قاله رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله. هذه الخصائص التي أظهرت بعض الأسباب التي من أجلها نصلي عليهم في كل يوم من أيام حياتنا. وقد تناول تلك الخصائص باختصار شديد، إذ أن التفصيل في ما لأهل البيت عليهم السلام يتطلب مجلدات لاستيعابه، وما الغرض من هذا الكتاب إلا الإشارة؛ ولكنها إشارة كافية وافية لمن أراد الله واليوم الآخر.
ولعله من المناسب أن أشير إلى واقع مؤلم، نعيشه اليوم؛ وهو أنه أصبح الكلام في حقوق وفضائل آل محمد من أشد الأمور غرابة، في نظر كثير من المسلمين، وغير المسلمين، المتدينين، وغير المتدينين على السواء. وأصبح لا ينظر إليه إلا أنه كلام في فضل عرق، أو أسرة، أو سلالة، أو قبيلة. بل قد وصل الحال عند البعض أنه ما إن يسمع الكلام في ذلك حتى ينسبها إلى العصور الظلامية، والمجتمعات المتخلفة، التي تشيع فيها الخرافة، والكهنوتية!! فالله المستعان!! وأما في ظل الإيحاءات التي خلقتها وسائل الإعلام حول القرن الواحد والعشرين، وما ينبغي أن يتميز به، فإن الكلام في فضائل أهل البيت عليهم السلام يكون أشد غرابة، وأبعد عن الواقع.
مخ ۴
وليتنبه القاريء إلى أن أول معصية عصي بها الرحمن هي بسبب التفضيل. والذي عصى الله بها كان من العابدين، الخاشعين، العالمين بالله؛ ولم يكن من الكافرين، ولا الفاسقين، ولا المارقين. بل قد بلغ به الحال أن صار يذكر بين الملائكة، وصار الله يخاطب الملائكة فيتوجه الخطاب نحوه معهم. ومع ذلك فقد سقط عند أمر الله تعالى بأن يقر لآدم عليه السلام بالفضل!! قد سقط لما فكر كما يفكر أولئك اليوم!!
إن الله تعالى خلق الخلق، وجعل لبعضهم فضلا على بعض. وهذه حقيقة قرآنية لا تحتاج إلى كثير توضيح. فالله تعالى فضل بني إسرائيل، وفيهم ما فيهم. وجعل الله تعالى الكتاب في ذرية إبراهيم ونوح مع كون كثير منهم فاسقين. واصطفى الله آل إبراهيم وآل عمران. وفضل الناس على بعض في الرزق، وفضلهم في العلم، وفضلهم في الخليقة بين جميل وقبيح، وذكي وبليد. وفضلهم في الأحكام فجعل ما للرجل ضعف ما للمرأة، وجعل للمرأة على الرجل حقوقا، وجعل للرجل على المرأة حقوقا...
بعد هذا كله، بعد ما نرى الله تعالى يفضل الخلق على الخلق؛ يأتي بعض الناس وينكرون على من تكلم في فضل أهل البيت عليهم السلام. وهم إذ يقومون بذلك يغفلون عن تلك الحقائق القرآنية، ثم يتمسكون بظواهر أحاديث لم يحسنوا فهمها، كما يتمسكون بشعارات نحو: إن الإسلام دين مساواة؛ ونحو: إنه لا عنصرية في الإسلام. وهم إذ يتمسكون بكل ذلك إنما يخفون حقيقة الأسباب التي تدعوهم للوقوف أمام هذه الحقائق.
وأبرز ما تمسكوا به من الأحاديث الشريفة قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «الناس سواسية كأسنان المشط»؛ وقوله صلى الله وعلى آله وسلم : «لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى».
وبقطع النظر عن سندي الحديثين، وبالنظر إلى متنهما فحسب، فإن على المتدبر أن يدرك أن المساواة ليست في كل شيء، كما إن الفضل قد يكون بغير التقوى.
مخ ۵
فأما المساواة فإنا نعلم أن بين الناس تفاوتا كبيرا في الخلق، وتفاوتا في الأحكام. وهذا لوضوحه مما لا يحتاج إلى توضيح. وعليه فإن الحديث يشير إلى المساواة في الحدود، والأحكام، والقضاء. فمن ثبت عليه حقا أو حدا أو حكما فهو مأخوذ به كائن من كان.
وأما التفاضل بالتقوى فلينظر القاريء: هل كان تفضيل الله تعالى الناس في أرزاقهم ?والله فضل بعضكم على بعض في الرزق? بسبب تفاضلهم بالتقوى؟! وهل جعل الله للرجل فضلا على المرأة، وللمرأة فضلا على الرجل وجعل القوامة للرجل لأن التقوى بينهما فيها تفاضل ?الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم?؟ وهل فضل الله بني إسرائيل على العالمين ?يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين? لتقواهم الفاضل على تقوى العالمين؟...
بعد النظر سيعلم القاريء أن للحديث معنى غير المعنى الذي يذهب إليه البعض؛ فالمعنى الصحيح المستقيم المتفق مع كتاب الله العزيز:
هو أنه لا فضل لأحد على أحد عند الله تعالى إلا بالتقوى والعمل الصالح؛ وهذا المعنى لا يتنافى مع تفضيل الله تعالى بعض الخلق على بعضهم في بعض الأحكام والحقوق، وذلك من باب الابتلاء والامتحان، والاختبار والتمحيص. وعلى هذا فلا تنافي بين القولين: إن الأفضل عند الله تعالى هو الأتقى والأصلح عملا؛ وإن الله تعالى جعل لأهل البيت حقوقا على الناس، وميزهم بما لم يميز غيرهم.
مخ ۶
كما قد يعني الحديث: إنه لا قيمة للفضل إلا مع التقوى. وذلك لأن لفظة: «لا فضل» قد تعني نفي الفضل أصلا، أو نفي كمال الفضل، أو نفي أثر الفضل. وحرف الجر «ب» قد يكون للسببية، أي: لا فضل إلا بسبب التقوى. وقد يكون للمعية أي: لا فضل إلا مع التقوى. فأي المعاني اللائقة بالحديث، والتي لا تتعارض مع القرآن الكريم؟ إن المعنى الذي يصح هو أنه لا أثر للفضل إلا إذا كان مع هذا الفضل تقوى.
وأما قولهم الإسلام دين مساواة، فنقول الإسلام دين عدالة، والعدالة أدق واقعا من المساواه، فالعدالة إيتاء كل ذي حق حقه، وهذا هو الإسلام، فلا يبخس حق ذي حق؛ وأما المساواة فكيف تكون مساواة بين الخلق وهم خلقوا متفاوتين؟!
وأما قولهم الإسلام ليس عنصريا، فلا يوجد بعد اصطفاء الله تعالى لآل إبراهيم وآل عمران، والتفضيل لبني إسرائيل، لا يوجد بعد أن قدم الله هذه العنصريات جواب!!
أخيرا نقول:
مخ ۷
إن التفضيل جزء مما يبتلي الله تعالى به عباده. إنه تكليف مثله مثل جميع التكاليف، ولكن يتميز عنها جميعا بصعوبة بالغة. ولعله أشد تكليف من تكاليف الله تعالى لصعوبة الأمر وشدته على النفس. فمن منا الذي يعطي مخلوقا آخر مثلنا حقوقا وامتيازا لمجرد أنه من ذرية فلان أو فلان؟ من ذا الذي يؤمن بحق غير مكتسب؟ بحق ذاتي يأتي بغير كلفة ولا مشقة؟ لا يؤمن بذلك إلا من خضعت إرادته لله تعالى ?وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين?، ?وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله?. وإن الله تعالى قد أنبأنا بضرورة الامتحان، والاختبار، والتمحيص ?أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة?، ?أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين?، ?أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون?.
مخ ۸
نعم!! إن من ابتلاء الله تعالى لعباده جميعهم آل محمد ومن سواهم هو لما اصطفى أهل البيت، فجعلهم: الثقل الأصغر، وسفينة نوح، وباب حطة، ونجوم أهل الأرض، وورثة الكتاب، والمطهرين من الرجس، والمصطفين بين الأمم. فابتلى الله تعالى أهل البيت بأن منحهم ذلك المقام، وجعل لهم تلك المنزلة. فمن سعى منهم لأن يكون كما أراد الله له، فله الحسنى عند الله تعالى، ومن قصر سقط. وبذلك كان في أهل البيت السابق المجاهد المؤمن، والمقتصد العابد المقصر، والظالم لنفسه بأن لم يسع لنفسه ما جعل الله له، أو بأن تعدى ذلك وفسق وتجبر في الأرض ?ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون? ?ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير?.
مخ ۹
كما ابتلى الله تعالى أمة محمد بأهل البيت، فأمرهم بطاعتهم، وبالاقتداء بهم، وبالأخذ عنهم، وبعدم التقدم عليهم؛ وبالجملة أمرهم أن ينزلوهم حيث أنزلهم الله تعالى، وأن يجعلوا لهم ما جعله الله تعالى لهم. فمن أطاع وخضع لله تعالى فله الثواب العظيم، والأجر الوفير، والمغفرة، وكان فعله كفعل بني أسرائيل إذ دخلوا باب حطة. والتشبيه بباب حطة له دلالة على أن الأمر يتطلب تواضعا، وخضوعا لله تعالى. وأما من نصب العداوة لأهل البيت حسدا لما جعله الله لهم، وذلك بغمط فضائلهم، أو القدح فيهم، أو بصرف الناس عنهم، أو بسفك دمائهم وانتهاك حرماتهم فهو من أهل السخط، والعذاب، ?أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا?.
هذا وللكلام ذيول طويلة، أهمها معنى اتباع وتقديم أهل البيت، وكيفيته وغير ذلك من التفصيل الذي نتركه لمناسبة أخرى، فليس القصد من هذه المقدمة إلا وضع البحث التالي في إطاره الحقيقي: إنه بحث في فضل وحق من أمرنا الله بالصلاة عليهم كل يوم
مخ ۱۰
تقديم بقلم عبدالله بن حمود درهم العزي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين، الذي من علينا برسوله الكريم ونبيه العظيم، ليزكينا، ويخرجنا من الظلمات إلى النور، وإلى الطريق المستقيم، وأنعم علينا بأهل بيت نبيه المطهرين، الذين قرنهم بكتابه المبين، واختارهم من بين بريته أجمعين، ليواصلوا نهج نبيه الأمين في الدعوة إلى الهدى والدين، وليحرسوا دينه من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وصلوات الله، وبركاته على محمد وآله الطاهرين وبعد:
فإن الكلام عن أهل البيت عليهم السلام طويل بطول التاريخ الإسلامي، فلذا يحتاج إلى موسوعات ضخمة، ومجلدات عدة، وكتبة مهرة.
والذي نستطيع إيراده في هذه العجالة، هو التأكيد على وجوب التمسك بهم، والسير على نهجهم، لأن الله تعالى أكد ذلك، وأوكل إليهم قيادة الأمة الإسلامية، بعد وفاة خاتم أنبيائه ورسله.
ولو طبقت الأمة الإسلامية ذلك لكانت من أسعد الأمم؛ دنيا وأخرى، وأرقى الشعوب تقدما وحضارة.
ولكنها تنكرت لهذه الشجرة المباركة تنكرا شديدا، ووصل الأمر بحكام الظلم والجور إلى قتلهم، وسجنهم، وتعذيبهم، ومحاصرة فكرهم على كل الأصعدة، ومطاردة من تمسك بهم، أو سار على نهجهم.
فأصبحت الأمة في ظلام دامس، وتفكك شديد، وضياع رهيب، عم الأرجاء، وتلون الناس تلون الحرباء بلا خوف أو حياء، فظلوا، وسيظلوا، في بؤس، وشقاء، حتى يرجعوا إلى نجوم الأرض، وأمانها، وأس السعادة وأساسها، وبوتقة الوحدة وعمادها، وهم أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله، وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا، حتى يردا علي الحوض.».
مخ ۱۱
ومن هنا ندرك أن أهل البيت يشكلون القيادة الربانية، الأمينة في تنفيذ وحراسة الشريعة الإسلامية المطهرة. ويدل إقترانهم بالكتاب على بقائهم حتى قيام الساعة، وعلى التصاقهم حتى الورود على الحوض. وفي الحديث أكثر من دلالة على طهارتهم، وعصمة جماعتهم، ووجوب طاعتهم.
مخ ۱۲
إشارة إلى مؤلف هذا الكتاب
ومن هذا المنطلق قام فضيلة شيخنا السيد، العلامة، المجتهد، الورع، الزاهد، بركة الزمان: محمد بن عبدالله بن سليمان بجمع بعض الآيات، والأحاديث الدالة على فضل أهل البيت عليهم السلام، ووجوب اتباعهم، حرصا منه على حب الخير للناس، ودعوتهم إليه، لعل وعسى أن يرجعوا إلى الجادة، ويعرفوا مسؤوليتهم تجاه العترة الطاهرة. وقد ناولني هذه الكراسة العظيمة، التي تحمل في طياتها الآيات الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة أثناء زيارتي له في منزله المتواضع الواقع بآل حميدان بالقرب من مدينة ضحيان، في شهر شوال سنة 1419ه، وخولني حفظه الله في ترتيبها، والتقديم لها، وفوضني في تسمية الكتاب فسميته: ”القول المبين في فضل أهل البيت المطهرين“. وهذا يدل على تواضع جم، وأخلاق عالية، وتجرد قويم لسماحة هذا السيد الكريم، أسال الله تعالى أن يمتعنا بحياته، وينفعنا بعلومه.
مخ ۱۳
الشيعي الصادق
ويجب على كل شيعي صادق الالتزام بخط أهل البيت عليهم السلام قولا، وعملا، ومنهجا، وسلوكا، لأن المحبة تعني الإتباع، ?قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله?[آل عمران: 31]. ويقول الإمام علي عليه السلام: «من أحبنا فليعمل بعملنا ويستعن بالورع فإنه أفضل ما يستعان به في الدنيا،والأخرة.»، وقال أيضا: «شيعتنا المتباذلون في ولايتنا، المتحابون في مودتنا، المتزاورون في إحياء أمرنا، إذا غضبوا لم يظلموا، وإن رضوا لم يسرفوا.». وقال رجل للإمام الحسن بن علي عليه السلام: «إني من شيعتكم. فقال الإمام الحسن بن علي: يا عبدالله إن كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعا فقد صدقت، وإن كنت بخلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من أهلها، لا تقل أنا من شيعتكم، ولكن قل: أنا من مواليكم، ومحبيكم، ومعادي أعدائكم، وأنت في خير، وإلى خير.».
فالشيعي الحقيقي: هو من تابع أهل البيت عليهم السلام، واهتدى بهديهم، وسار على نهجهم. أما من ادعى خلاف ذلك فلا يصدق عليه التشيع.
والشيعة أصناف ثلاثة كما قال الإمام الصادق عليه السلام: «صنف يتزينون بنا، وصنف يستأكلون بنا، وصنف منا وإلينا.».
والزيدية هي النموذج الأمثل للشيعة المرضية، وإليها يعود الفضل في الحفاظ على خط أهل البيت عليهم السلام.
والله ولي التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آل الطاهرين.
مخ ۱۴
كلمة عن المؤلف
نسبه ومولده: هو السيد، العلامة، المجتهد، الورع، الزاهد، حليف الفضل والإستقامة، بركة الزمان، عز الإسلام:
محمد بن عبدالله بن سليمان بن أحمد بن محمد بن محمد ( الملقب العزي ) بن علي بن أحمد بن الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن الرشيد بن أحمد بن الأمير الحسين الأملحي بن علي بن يحي بن محمد بن يوسف الأشل بن القاسم بن الإمام الداعي إلى الله يوسف الأكبر بن الإمام المنصور بالله يحي بن الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحي بن الحسين بن الإمام نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الشبه بن الحسن الرضا بن الحسن المثنى ابن رسول الله، وابن علي بن أبي طالب.
ولد حفظه الله سنة 1332 ه، ونشأ في ظل أسرة علوية كريمة، تحب العلم، وتشغف مكارم الأخلاق.
فوالده هو السيد، العلامة، المجتهد، الحافظ: عبدالله بن سليمان مرجع زمانه في القضاء والأحكام الشرعية ، المشهود له بالحكمة، والتقوى. توفي سنة 1369 ه، في السادس عشر من شهر شوال رحمه الله رحمة الأبرار، وأخوه هو السيد، العلامة، الفاضل الوجيه: عبدالرحمن بن عبدالله بن سليمان، حفظه الله.
مخ ۱۵
بداية دراسته ومشائخه
وقد وفق الله الولد بالتتلمذ على يد الوالد، فبدأ شيخنا العلامة محمد بن عبدالله بن سليمان دراسته على يد والده، بهمة عالية، ونشاط دؤوب، واغترف من بحر علمه الكثير الطيب. ومن مشائخه أيضا السيد العلامة عماد الدين: يحي بن صلاح ستين رحمه الله، والقاضي العلامة: قاسم بن إبراهيم الغالبي، وقد استفاد كثيرا وأفاد كثيرا.
مخ ۱۶
صفاته الخلقية
ومن المعروف أنه حفظه الله يتصف إلى جانب علمه الغزير، بأوصاف قل أن تجتمع في شخص واحد ومنها: الورع، والزهد، والتواضع، والعبادة، والخوف، والخشية، والكرم، وغيرها من الصفات الحميدة، والخصال العالية السديدة.
مخ ۱۷
دوره الإصلاحي في منطقة مجز، وتلاميذه
ويكفيه فخرا، وثوابا أنه أصلح كثيرا من أهالي منطقة مجز الواقعة بالقرب من ضحيان، وأفاد كثيرا من الطلاب حتى أصبحوا في مصاف العلماء، والمدرسين، ولا نستطيع في هذه العجالة تعدادهم.
وهو يؤم المصلين في الجامع الكبير بمجز، ويصلي خلفه جمع من المصلين بخشوع، وخضوع منقطع النظير.
مخ ۱۸
حرصه على تنظيم الأوقات
ويحرص حفظه الله على الأوقات اليومية في حياته حرصا قد لا يستطيع أي إنسان في سنه الحرص عليه.
ففي الصباح يتجه إلى منزله المتواضع الواقع بآل حميدان، ويجلس فيه إلى قبيل أذان الظهر، ويستقبل جموع من العلماء، وطلبة العلم، والزوار، والمستفتين ثم يتجه إلى محل إقامته بمجز فيصلي الظهر، وبعد صلاة العصر يفد إليه بمنزله مجموعة من طلاب العلم الشريف، وفي المساء كذلك وهكذا كرس كل جهوده لخدمة العلم، وطلابه بلا كلل، أو ملل. ولهو إسلوب فذ في التعامل والتدريس، وله استنتاج حسن في فهم القواعد الفقهية الهامة، وله آراؤه الفقهية المتميزه، المدعمة بالأدلة، ومنها تحريم: حيلة زكاة غير الهاشمي للهاشمي، التي يجيزها بعض العلماء، ومنها: تحريم السؤال.
مخ ۱۹
منهجه في فهم القران
وله منهج خاص في فهم وتدبر القرآن، فهو يعتمد على التفسير الموضوعي، أي يجمع الآيات ذات الموضوع الواحد كالهدى والضلال، والخوف والخشية ... إلخ. ثم يجمع بينها، ويوضحها توضيحا فريدا.
مخ ۲۰